كسب معيشة لا بد منه ، وإلا فيواري شخصه ويلزم بيته ولا يتعرف بأحد.
وإن كان قدور في العلم بحيث يحتاج الناس إليه في أمر دينهم لبيان حقهم أو رد على مبتدع فلا تحل له العزلة ولا يجوز له ذلك.
ومما قيل في الظن بالله تعالى :
ما ورد : أن الله سبحانه وتعالى يقول : «أنا عند ظن عبدي بي فليظن ما يشاء».
اعلم أن حسن الظن بالله تعالى ولزوم طاعته ، واجتناب معصيته ، أصل عظيم يغلظ فيه كثير من الناس ، وهو أن هناك فرق بين الرجاء والأمنية. فالرجاء يكون عن أصل ، والتمني لا أصل له ، ومثاله : رجل زرع وسقى واجتهد وقام قياما حسنا على زرعه ، فهو يقول : أرجو أن يحصل لي مائة قفير برّ. فذلك منه رجاء له أصل. وآخر لم يزرع شيئا ويقول : أرجو أن يحصل لي مائة قفير من البرّ فهذا رجاء وظن لا أصل له.
فكذلك العبد إذا اجتهد في طاعة الله سبحانه وترك المعصية ، وقال : أرجو من الله الجنة بما فعلته من يسير الطاعة ، وأرجو من الله الجنة / بحسن ظني بعظيم كرم الله تعالى فذلك ظن له أصل. وأما من ترك الطاعة ولزم المعصية ، وكان رجاؤه الجنة فظنه فاسد.
ومما نقل عن عمر بن عبد العزيز :
أنه قال : إن الله سبحانه وتعالى خلق إبليس للمعصية وخلقها له ، وقدر الله سر عظيم فلا تسألوا عن سره.
وقدر كل شيء قبل أن يخلقه ، وخلق الخير والشر ، وخلق الجنة والنار ، وقسم الخلق فريق للجنة وفريق للسعير.
فمن ذلك الوقت انفرد أهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وعلم أعمالهم الصالحة وذنوبهم فأعد لهم على ذنوبهم المغفرة برحمته.
وكتب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وأعمالهم الطالحة (١) الخبيثة وأعذر إليهم بالبيان على ألسنة أنبيائهم فلم ينتفعوا بأعمالهم الصالحة لأنهم معدودون من أهل النار.
فإرادة الله سابقة في خلقه بمراده ، فلا يسأل سبحانه عما يفعل والخلق مسؤولون ، فقد قال سبحانه : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) [الحديد : ٢٢].
__________________
(١) في المخطوط : الصالحة ، وهو تحريف.