ومما قيل في الغضب :
اعلم أن الغضب هو غليان في دم القلب ، والغضب مخلوق من النار ، معجون في طينة الآدمي فمتى حصل له ما يغضبه اشتعلت نار غضبه اشتعالا يغلي منه دم القلب فينتشر في العروق فيغطي دخانه على العقل فيقع من صاحبه ما يحصل عليه من الندم عند سكون غضبه وخمود دخان ناره مما لا يستدرك فارطه. والناس في ذلك على طبقات بقدر قوة نار غضبهم وضعفها كنار حطب أو فحم أو رماد.
وقال بعضهم :
إذا وجدت من بني آدم من يكون لئيم الطبع قبيح اللفظ ، فزده في عدد الكلاب / وانقصه من عدد الآدميين وأعده كلبا نابحا وأرح نفسك من عتابه وقلبك من التفكر فيه ، وأعرض عنه كما تعرض عن الكلب إذا نبح عليك (١).
واعلم :
أن لكل إنسان قوى ثلاث : ناطقية ، وغضبية وشهوانية.
فالناطقية :
هي التي شرفه الله بها على سائر الحيوانات ، فشارك بها الملائكة.
والغضبية :
إذا أفرط فيها ألحقت صاحبها بأخلاق الوحوش الضارية فيغضب كالأسد أو يحقد كالخنزير ، أو يثب كالنمر ، أو يرعد كالقرد.
والشهوانية :
إذا أفرط فيها أخرجت صاحبها من العالم الإنساني وألحقته بعالم مماثله من البهائم ، فإن البهائم لا شهوة لها إلا الأكل والنكاح. فاجتهد أن تلحق قوتك بالناطقية لتحلق بعالم الملائكة (٢).
وقال : نزل العز والراحة من السماء فحالا بين الهواء والفضاء ، فلم يجدا منزلا ينزلان فيه فوجدا القناعة فنزلا بها.
ما وجدت القناعة عند أحد إلا وجد عنده العز والراحة.
ما قيل في التوكل على الله سبحانه وما معناه : اعلم أن التوكل على الله سبحانه كمثل تاجر أقام لإصلاح ماله وكسبه وكيلا بصيرا
__________________
(١) سبق ذكر هذه الفقرة والتي قبلها في صفحة [١٧٤ / م ، ب] من المخطوط ، والفقرة التي بعدها في الورقة [١٧٥ / م] مع تغير بسيط في بعض الألفاظ وزيادة ونقص.
(٢) سبق أن نبهت على تكرار هذه الفقرة.