فهذا من غرور الشيطان ، ومن أين لك هذا العلم؟
فعسى أن تموت تائبا قبل أن تعود ، وأما الخوف من العود فعليك العزم والصدق في التوبة وعلى الله الإتمام ، فإن أتم ففضل ونعمة ، وإن لم يتم فقد غفر لك ما تقدم لوجود الصدق في التوبة ، فإن التوبة تمحي ما قبلها بالشرط في الندم والإقلاع والعزم بأن لا تعود ، وإن عدت بعد ذلك ، فإنما هو ذنب واحد ، ولا يمنعك خوف العود عدم التوبة كما أنت زاعم ، فإنك من التوبة بين شيئين إن وقعت في ذنب واحد بعد التوبة مما كان قبله وكنت مخلصا مت عن ذنب واحد ، وإن استحوذ عليك الشيطان كما قلت أولا ، فتموت والعياذ بالله عن ذنوب كثيرة ، فلا يمنعك الشيطان عن الإسراع بالتوبة عقيب المعصية.
وهذا منقول من منهاج العابدين لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمهالله تعالى.
[في البطن واللسان](١)
اعلم رحمك الله ، أن البطن محل الطعام والشراب ، واللسان ترجمانه ، فإن أوعيته حلالا محضا لا ينطق ترجمانه إلا بخير محض ، وإن أوعيته شبهة نطق ترجمانه بخير وشر لكن شره أكثر ، وإن أوعيته حراما محضا لا يخرج منه إلا شرا محضا ، كما لو وضعت في إناء عسلا لا يخرج منه إلا عسلا ، وإن وضعت خلا فلا يخرج إلّا خلا.
وقس على هذا وتوقى الحرام والشبهة ، فكل جسد نبت على الحرام لا تطهره إلا النار.
وحكى أبو القاسم ابن عساكر عن جبير بن مطعم :
قال : لما بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرجت إلى البصرة ، فلما كنت بالبصرة جاءني جماعة من النصارى فقالوا (٢) : أمن / مكة أنت؟
قلت : نعم.
فأدخلوني ديرا لهم ، وقالوا : انظر إلى هذه الصور ، أتعرف منها شيئا يشبه شيء من هذه الصور؟
فنظر إليهم ، ثم لما قلت : نعم ، هذه تشبه صورة نبينا محمد وهذه صورة صاحبه أبو بكر ، وإذا به آخذ بعقبه.
__________________
(١) العنوان من عمل المحقق غفر الله له آمين.
(٢) في المخطوط : قال ، وهو تحريف.