وتعالى فأوحى الله إليه : أتشكوني ولست بأهل ذم ولا شكاية ، وهكذا بدوء شأنك في علم غيبي؟
فلما لا تستقضي بقضاء عليك أتريد أن أغير الدنيا لأجلك أو أبدل ما في اللوح المحفوظ بسببك ، فاقض ما تريد دون ما أريد أو يكون ما تحب دون ما أحب ، فبعزتي خلقت لا تلجلج هذا في صدرك مرة أخرى لأسلبنك ثواب النبوة ولأوردنك النار ولا أبالي (١) ، فإياك يا أخي أن تسخط لما قدره الله وقضاه لك ، واصبر حتى يحكم الله بالفرج.
ومما قيل في الحسد : اعلم أن الله سبحانه أمر بالاستعاذة من الحاسد كما أمر بالاستعاذة من الشيطان والساحر ، فإن الله أنزله منزلة الشيطان ، فقال الله تعال : (مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ / حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) [الفلق : ٤ ، ٥].
وقيل في هذا المعنى :
قلب الحسود قد التهب |
|
لمن ملك الذهب |
ولا يرضه في ماله |
|
إلا أن يقال له ذهب (٢) |
فإن الحاسد لا يرضى بقسمة الله لخلقه ، وقال تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء : ٥٤] الآية الشريفة بكمالها.
وقال بعضهم : لا تصرف همتك إلا لكتاب تنظر فيه ، أو حبيب تنظر إليه ، أو كريم تنظر عوائد فضله.
وقال بعضهم : إذا كانت الإساءة طبعا فلا يملك الإحسان لها دفعا.
وقال بعضهم : الذهب في منزلك له نور كالشمس يشرق عليك كما تشرق الشمس على العالم الإنساني فاحفظ جهدك فيه تبلغ قصدك ، وتقهر ضدك ، وتخدمك الأحرار في مقامك والأسفار.
__________________
(١) هذا خبر تفوم منه رائحة الوضع ، وسبق أن قلت أني لا أعلق على ما في الكتاب من أخبار غير أني أحببت أن ألفت نظر القارىء هنا في هذه العجالة.
(٢) سبق أن ذكر هذا الشعر.