وذكر ابن حوقل حكاية طويلة في أحكامه ، فاختصرناها لطولها ، فمن حكمه : أن رجلا ذا مال ، وله ولد ، وله غلام يتجر له في بعض البلاد ، فمات الرجل فتنازع / الولد والغلام في مال الإرث ، فالولد يقول : مال أبي ، والغلام يقول : المال مالي ، وهو أبي ، ولست أنت ابنه ، وقاما يتحاكمان عند الوزراء سنة كاملة وأقام كل واحد منهما البينة.
ومن عادتهم إذا امتدت الحكومة إلى سنة ولم تنفصل على أيديهم رفعوها إلى الملك ، وتعاد عنده الدعوى.
فلما أعيدت بينهما تحير فيها ، لأن لكل واحد بينة ، فلم يجد ما يقتضي الترجيح بين البينتين ، فأفكر ساعة ، فقال للابن : أتعرف قبر أبيك؟
قال : كنت غائبا حال موته ، فلما قدمت قيل لي : هذا قبر أبيك.
ثم قال للغلام المدعي البنوة : أتعرف قبر أبيك؟
قال : نعم.
فقال : عليّ برمته أو ما تجد منها. فأحضرت.
فقال : أفصدوا الغلام على هذه الرمة. ففصدوه ، فكان الدم يحيد عنها يمينا وشمالا ، ولا يعلق بها منه شيئا.
ثم قال : أفصدوا الابن عليها. ففصدوه ، فعلق الدم بالرمة ، وشربته جميعها. فسلم المال للابن ، وقتل الغلام ، ونكل بمن شهد له.
وقال أحمد بإسناده : عن أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى ، فأخرج ذريته بيضاء كأنهم الدّر ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذريته سود كالحمم ، وأشهد عليهم السماوات والأرض وآدم». ورواه الحسن البصري عن أنس ، وفيه : «فأخرج من ظهره ذريته ، فقال : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي».
فقيل : يا أبا سعيد ، لا أبالي بمن؟
قال : لا تنفعه طاعته ، ولا تضره معصيته هؤلاء.
وروى السدي : عن أشياخه قالوا : أخرج الله من ظهره من الجانب الأيمن ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ ، وقال : / ادخلوا الجنة برحمتي ، ومن صفحة ظهره اليسرى ذرية سوداء وقال : ادخلوا النار ولا أبالي ، فذلك قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٢٧] الآية ، وأخذ عليهم فنطقوا وقالوا : أنت ربنا لا رب لنا غيرك ، فكتب لهم أرزاقهم ، ونوائبهم ، وأفراحهم ،