ومن عجائب مملكة الأندلس
قال أهل التاريخ :
إن في مملكة الأندلس أربعة وعشرين مدينة كان يملكها رجل واحد ، وكان دينهم دين الروم الصابئة ، وفي هياكلهم أصنام الكواكب ، ثم تنصرت الروم ، وتنصروا ، وكانت لهم (١) حكم ومعرفة ، وكان في مملكتهم بيت مغلوق قد احتكمه من كان قبلهم ، وقالوا : ما دام هذا مغلقا لا يملكنا عدو ، وعرف ذلك بينهم جيل بعد جيل ، وكان كل من ملك بلدهم وسمع بذلك احتكم عليه قفلا هكذا / إلى أربعة وعشرين قفلا على عدد من وليهم من الملوك ، ثم بعد ذلك ، وليهم رجل اسمه : لذريق ، وكان طماعا شرها قد ابتلي بمحبة المال وجمعه ، فلما استقر به الحال طاف بالمملكة وعرض آلة القتال ، ثم خزائن الذخائر ، وبيت المال ، ورأى ذلك الباب ، فأمر بفتحه فأخبروه بما قد تسامعوا به من قديم الزمان ، وتداول بينهم ، وأن يخلّيه على حاله مصلحة وصونا له ولبقاء مملكته ، فلم يلتفت إلى كلامهم ، وأبى إلا فتحه أو كسره ، فبلغ أهل المدينة فضاق بهم ذرعا وتشاءموا ، ثم أنهم اجتمعوا إليه وبذلوا له كثيرا من الأموال على أن يتركه على حاله ، فلم يقبل منهم ، فتفرقوا عنه ، فأحضر أرباب الصنائع فعجزوا ، فعالجوه أياما فلما فتحه وجد داخله فرسانا وركبانا فوق خيل شهب على صور العرب عليها عمائم حمر ، وفي تلك السنة فتحت الأندلس ، وتولى فتحها طارق بن نصير (٢) في سنة اثنين وتسعين أيام عبد الملك بن مروان ، ومسك لذريق فقتله ، وسبى وغنم.
ومن جملة ما وجدوه داخل ذلك البيت مرآة سليمان عليهالسلام ، وكانت من ذهب عليها أطواق من جوهر ، مفصلة كالمرآة العجيبة التي ينظر منها الأقاليم السبعة ، وهي مدبرة من أخلاط ، وأواني من ذهب كأنه لسليمان عليهالسلام ، والزبور مكتوب بخط يوناني جليل دفاته ذهب مفصل بجوهر ، واثنين وعشرين مصحفا من النورية محلاة بالذهب ، ومصحف محلى بفضة يتضمن منافع الأشجار والأحجار والدواب والطلسمات العجيبة ، فحملوا ذلك إلى الوليد. وأيضا مصحف فيه عمل الصنعة ، وأصناف اليواقيت ، ووجدوا فقاعة عظيمة من حجر أخضر مملوءة بإكسير الكيمياء مختومة بالذهب ، ولما فتحت هذه المدينة نزلها المسلمون فتفرقوا بمدنها إلى أن جاء إليها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في سنة / ثلاث وثلاثين ومائة ، فغلب عليها وذريته فيها إلى اليوم.
__________________
(١) في المخطوط : له ، وهو تحريف.
(٢) كذا في المخطوط ، والمعروف طارق بن زياد.