وقد ذكر قوم من أهل الأثر :
أن الأنهار الأربعة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب التي من وراء البحر المظلم : سيحون ، وجيحون ، والفرات ونيل مصر.
قيل : تلك القبة من زبرجد ، وأرض الذهب من أرض الجنة ، وأن الماء من قبل أن يسلك البحر المظلم أحلى من العسل ، وأزكى رائحة من رائحة الكافور.
والوليد لما رأى جبل القمر وعلوه أحب أن يصعد إليه فصعده في جمع من قومه ، فلما بلغ منتهاه أشرف منه على البحر الزفتي ، وهو بحر منتن الرائحة قبيح المنظر ، ورأى النيل يجري فوقه كالخيوط ، فأصابه من ذلك البحر رائحة خبيثة أهلكت كثيرا من قومه ، فأسرع ومن معه النزول ، ولم ير شمسا ولا قمرا ، وإنما هو نور أحمر كنور الشمس عند مغيبها.
ويقال (١) : أن رجلا من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم اسمه : حائر قطع البحر المظلم ماشيا عليه لا يلتصق بقدميه منه شيء ، وكان فيما ذكر عنه نبيا قد أوتي حكمة ، وقد سأل الله تعالى أن يريه منتهى النيل ، فأجاب له وأعطاه قوة على ذلك ، فقيل أنه أقام يمشي عليه ثلاثين سنة في عمران ، وعشرين سنة في خراب.
وقيل : أن الوليد أقام في غيبته أربعين سنة وأنه لما رجع من مسيره أتى مصر سبع سنين تجبر عون وطغى ، وادعى أنه ملك مصر ، ولم يذكر أنه غلام للوليد ولا اعترف بذلك ، وإنما هو أخوه وقد قلده المملكة عند مسيره ، فجمع الناس وأعطاهم وأجازهم وبذل لهم ووالاهم فأحبوه ، ودعوا له ، ثم بعد مدة يسيرة (٢) عندما تم له الأمر عمد / إلى نساء سائر الملوك ولأولادهم فاستباحهم وغصب الناس أموالهم وقتل منهم خلقا كثيرا.
وكان مع ذلك يكرم الكهنة فلا يفارقهم إلا أوقات ضروراتهم. ثم أن عون رأى في منامه الوليد وهو يزجره ويقول من أمرك أن تتسمى باسم الملوك وتحكم من غير حكم ، وتتعرض لنساء الملوك وأولادهم وقتل النساء ، وأخذ أموالهم ، أما علمت أنه من فعل ذلك بغير حق وجب عليه القتل. ثم أنه استحضر قدورا من نحاس فملئت زيتا وأحمى عليها على أن يغمس عونا فيها ، فجاء طائر في صورة عقاب اختطف عونا وعلا به في الجو وجعله في كوة على رأس جبل ، ثم سقط إلى واد فيه جيفة منتنة فانتبه مرعوبا.
وكان إذا ذكر له الوليد يرعد (٣) من شدة خوفه منه ومن فظاظته وشدة بطشه ، فازداد برؤيته
__________________
(١) في المخطوط : ويقول ، وهو تحريف.
(٢) تكررت هذه الكلمة في المخطوط ، فحذفت التكرار.
(٣) في المخطوط : يرشد ، وهو تحريف.