ذلك كله مزارع الغلال من كل صنف في كل جهة ، فكان يرتفع له بها في كل سنة ما يكفيه لعشر سنين. وبين هذه المدينة وبين منف ثلاثة أيام وكان يقيم بها عشرة أيام ـ يعني بمنف ـ ثم يعود إلى مدينته. وجعل لها أربعة أعياد في السنة وهي الأوقات التي يحول فيها العقاب.
رجوع الوليد :
فلما فرغ من بنائها وافاه كتاب الوليد من ناحية النوبة ، يأمره بتنفيذ الأزواد إليه.
فعمد عند ذلك إلى من تأخر في ملك مصر من خدم وحشم ممن قد اتخذ لنفسه من بنات الملوك وكبرائها ، فحولهم بعد أن حصوا له (١) إلى مدينته ، وقعد له النفس وتمّ ، وقال دونه ومدينته. ثم أرسل له جميع ما طلبه وتحصن عون في مدينته ، ثم جاءه الخبر بأن الوليد على القرب من دخوله ، فعن قليل سمع أنه نزل في منف فخرج أهل مصر إليه فتلقوه وهنوه بسلامته وعافيته ، فتأمل القوم. فلم يجد معهم عون فقال : وما شأنه ، فأكثروا شكايته وما قد حل بهم منه ، وأنه فعل ما فعل.
فقال : وأين هو الآن؟
قالوا : فر منك.
قال : منّي؟ فرّ عون؟
قالوا : نعم ، وقد احتكم لنفسه مدينة عمل فيها كذا وجعل فيها كذا وأحكمها كذا وحصنها بكذا وأعادوا عليه الجميع ، فانخنق واغتاظ عليه غيظا شديدا لا سيما ولم يحضر. فعزم على أن يجيش له جيشا ، ويمضي إليه ، فأخبره القوم أنه لا طاقة له به لما أحكمه بها وأن جميع السحرة والكهنة هم حرستها. فكتب إليه بالقدوم عليه / وحذره التخلف عنه.
فأرسل يقول : ما على الملك مني مؤنة ، ولا تعرض لبلده ولا عبث لأحد من جهته ، فإنني عبده ونشوه ، وقد قطنت في هذا المكان ردّا لكل عدو يأتي من ناحية الغرب وغيره ، ومعلوم أن العبد لا يقوم لغضب سيده ، وشدة سطوته فلا أستطيع المجيء إليك ولا على الوقوف بين يديك ، ولتجعلني من بعض عمالك ، وها أنا أوجه إليك جميع ما عليّ من الخراج والهدايا ، وعمد إلى كثير من الأموال الجزيلة والجواهر النفيسة والتهنئة بسلامته ورجوعه إلى ملكه. فلما وصلت تلك الهدايا والأموال إليه ، وقرأ ما سطره ، ووقف على ما ذكره ، أقره على حاله ولم يشوش عليه. ثم دخل مصر ، فاستعبد
__________________
(١) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.