يفعلوا معهم شيء ينفرهم عنهم ، وهذا مما يؤدي إلى شناعة فعلك وزوال ملكك.
فلم يلتفت لكلامه وأراد أن يأمر أرباب مملكته بالهجوم على أهل بلده ، وقال : هم عبيدي وعبيد آبائي.
فتلطف به بلاطس حتى سكن غضبه ، وقال : إن كان ولا بد فاعتذر لهم عني ، ففعل. فأبى أكثر الناس إلا بكلام الملك فرجع الوزير وأخبر دارم وقال : لا بأس بأن يخرج الملك إليهم ويعتذر لهم ، فوعدهم بذلك.
ثم أنه لبس أفخر ثيابه وتتوج بأكبر تيجانه وأمر وزيره أن يأمر أهل البلد بالدخول على الملك.
فلما اجتمعوا عنده ذكروا له ما قد حلّ بهم من أخذ أموالهم واستباحة نسائهم وأنه لم يسبق إلى ما فعله أحد من الملوك قبله ، فاعتذر إليهم ، ووعدهم بالكف عما هو عليه ، وأسقط عنهم خراج ثلاث سنين ، وأمر لضعفاء الناس بمال / ينفق عليهم ، وخرج الناس من عنده ، وهم ما بين ساخط وراض. ثم بنى له قصرا من خشب ممتدة بأضلاع مستمرة فيها ودهنه وذهّبه ، وجعل فوقه قبة من فضة مموهة بالذهب مصورة بالزجاج الملون وعلق فيها الحجر المضيء الذي أهدي لأبيه ببلاد الغرب.
فلما فرغ من بناء القصر (١) زينة بأحسن زينه وفرشه بأفخر الفرش ، وجعله طبقتين طبقة له ولمن يحبه ويجالسه ، وطبقة لخدمه وحشمه. فكان يتنزه فيه كلما بدا له ، فهو يوم فيما هو فيه من تزهد وتيهه ، وكان ماءه أخذ في الزيادة وبلغ فوق العادة وعلا البحر وطما وأشرق نور القمر ، وامتد على الماء فخطر له أن يعدّي في قصره من العدوة إلى العدوة الأخرى لأن قصره كان يسير به على وجه الماء ، فنزل من قصره وركب البحر في مركب في ثلاث نفر من أصحابه وامرأة ساحرة ، فلما توسط البحر هاجت عليهم ريح عاصف فغرق هو ومن معه وأصبح الناس شاكين فيه لا يدرون ماذا حلّ به حتى رأوا جثته في شطنوف فعرفوه بخاتمه ، وبجوهر مقلد به فحملوه إلى منف ، فدفن فيها.
وقدم الوزير ولده فأجلسه على سرير ملكه فجمع الناس وأحسن إليهم ووعدهم ورد إليهم نساءهم ، وأسقط عنهم الخراج أربع سنين.
مناقيوس الملك
قال صاحب التاريخ : أنه كان رجلا عاقلا حريصا لما استقر به الملك استأنف العمارات وأبقى القرى ونصب الأعلام ، وجمع الحكماء ومصاحف الملوك ، وبنى له
__________________
(١) في المخطوط : القصور ، وهو تحريف.