فضله ، ولمحة من لمحات جوده ، والجنس وهو راجع إلى السابق باعتبار (١).
(وإيّاه أشكر) على سبيل ما تقدّم من التركيب المفيد لانحصار الشكر فيه ، لرجوع النّعم كلّها إليه ، وإن قيل للعبد فعل اختياري ، لأن آلاته وأسبابه التي يقتدر بها على الفعل لا بد أن ينتهي إليه ، فهو الحقيق بجميع أفراد الشكر ، وأردف الحمد بالشكر مع أنه لامح له أولا (٢) للتنبيه عليه (٣) بالخصوصية ، ولمح تمام الآية(استسلاما) أي انقيادا (لعزّته) وهي غاية أخرى للشكر كما مر ، فإن العبد يستعد بكمال الشكر لمعرفة المشكور ، وهي مستلزمة للانقياد لعزته ، والخضوع لعظمته ، وهو (٤) ناظر إلى قوله تعالى : (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ) (٥) ، ولما تشتمل عليه الآية من التخويف ، المانع من مقابلة نعمة الله بالكفران ، فقد جمع صدرها وعجزها بين رتبتي الخوف والرجاء ، وقدّم الرجاء لأنه سوط النفس الناطقة المحرّك لها نحو الطماح ، والخوف زمامها العاطف بها عن الجماح.
(والشكر طوله) أي من جملة فضله الواسع ، ومنّه السابغ ، فإن كل ما نتعاطاه من أفعالنا مستند إلى جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا وسائر أسباب حركاتنا ، وهي بأسرها مستندة إلى جوده ، ومستفادة من نعمه ، وكذلك ما يصدر عنا من الشكر ، وسائر
______________________________________________________
(١) علّق الشارح بقوله : «ووجه رجوعه إليه باعتبار أن جنس الحمد إذا كان محكوما عليه بكونه فضله اقتضى كون جميع أفراده كذلك ، لأن الجنس ـ وإن تم في ضمن فرد واحد ـ إلا أن فردا من أفراد الحمد هنا لو وجد مع غيره وجد الجنس معه أيضا ، فلا يكون مختصا به.
وقد تقدم في كلامه ما يدل على اختصاصه به وانحصاره فيه فيكون الجنس مفيدا هاهنا فائدة الاستغراق بمعونة الكلام السابق المقتضي للاختصاص ، وإن احتاج إلى دليل خارج وهو أن حصر حمده في الله يقتضي حصر حمد غيره لاشتراكهما في المعنى الموجب للحصر».
(٢) أي مع أن المصنف ألمح إليه أولا بقوله : الله أحمد.
(٣) على الشكر.
(٤) أي المصنف.
(٥) إبراهيم الآية : ٧.