وقد تركت تلك الحادثة آثارا عميقة على الدولة وأول تلك الآثار أن الدولة أيقنت أنها أصبحت في حالة من الضعف بحيث لا يمكنها السيطرة على أحد ولاتها بدون مساعدة أجنبية ، لذا كان يجب على الدولة أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة حتى لا تتكرر تلك الأحداث مرة أخرى ، وعلى هذا كان يجب على الدولة العثمانية تنفيذ مفهوم المركزية الحديثة التي ارتفعت في الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر ، ولذا فهم أنه يجب السيطرة بسرعة على الإداريين الذين يعملون بمفهوم عدم المركزية لتجنب ذلك في المستقبل ، وقد تبلورت كل تلك المفاهيم السياسية الجديدة في الدولة العثمانية في إعلان خط كلخانه الهمايوني في ٣ نوفمبر ١٨٣٩ م (١).
ونعود إلى أسباب حادثة كربلاء فنقول إن أهم أسبابها كان السياسة الرخوة لعلي رضا باشا الذي عين واليا على بغداد من جانب الحكومة المركزية بعد انهيار حكم المماليك فيها ، فكان من الطبيعي أن ينتهج علي رضا باشا تلك السياسة حتى يتمكن من الوقوف أمام أية معارضة قد تظهر أمام تنفيذ التنظيمات ، وكانت المشكلة المصرية التي تحدثنا عنها قبل قليل سببا في انتهاج نجيب باشا الذي عين واليا على بغداد عام ١٨٤٣ م تلك السياسة الجامدة كي لا تهتزّ السلطة المركزية هناك.
بعد الأحداث التي قامت بها العشائر قام نجيب باشا بعمل بعض الاستعدادات العسكرية قبل تحرك القوات العثمانية إلى كربلاء ، وكان أول ما قام به في هذا الشأن هو إيقاف نشاطات جمع الجنود والمهمات العسكرية من بعض المناطق التي احتلها الثوار في كربلاء منذ فترة ، أما العمل الثاني الذي قام به فهو : تقديم المساعدات المادية والمعنوية
__________________
(١) Gultekin Yildiz, Osmanli Devleti\'nde Hapisane Reformu) ٩٣٨١ ـ ٨٠٩١ (,) Yayimlan ـ mamls Yuksek Lisans Tezi (, Turkiyat Arastimalari Enstitusu, Istanbul ٣٠٠٢, s. ٣.