كان النجف مركزا للنزاع الواقع بين فرعي الشيعة الأصوليين والأخباريين في القرن التاسع عشر ، وكان انتصار الأصوليين في هذا النزاع وإقامة المرجع في النجف عاملا مهمّا لزيادة أهمية النجف ، فالمرجع له تأثير على كل علماء الشيعة في العالم وكان يوجه سياسات العديد من الدول وعلى رأسها إيران ، ولقد سعت كل من الدولة العثمانية وإيران وإنجلترا وروسيا لفرض نفوذها في المنطقة بالطرق المختلفة لمعرفتهم هذا الوضع ، أما علماء النجف فقد أقاموا علاقات مع هذه الدول بما يتفق مع مصالحهم ولكن هذه العلاقات لم تكن بنفس القوة مع كل الدول.
بدأت تتكون أقطاب من علماء كربلاء والنجف والأهالي ، وفي الوقت الذي تتكون فيه الأقطاب الشيعية يحدث نزاع حتى ينتصر أحد الأقطاب في هذا النزاع ، ويستمر الكفاح حتى يقضي قطب على القطب الآخر ويجعله دون تأثير ، وبعد هذا النزاع يبدأ نزاع مع قطب أو مجموعة أخرى ضعيفة في طريقها لكسب القوة ، فبعد انتهاء النزاع بين الأصوليين والأخباريين في الربع الأول من القرن التاسع عشر حدث النزاع بين علماء كربلاء وإيران بعد النزاع والخلاف بين الشيعة العرب والإيرانيين في النجف.
إن الخلاف هو أصل حياة شيعة النجف ، وعلى الرغم من أن الشيعة مخالفون إلا أنهم يقيمون روابط بمسافات محددة مع مجتمع الدولة المخالف لهم ويستمرون في علاقاتهم محافظين على تلك المسافة.
لقد فهمت الدولة العثمانية مزايا الشيعة المخالفة عند فرض نفوذها على شيعة كربلاء والنجف ، وسمحت الدولة العثمانية بهذا الخلاف بالقدر الذي لا يضرّ بمصالحها ، فالدولة العثمانية كانت تعلم جيدا بنية كربلاء وأهاليها الذين يرفضون الخضوع المطلق للحكم الموجود ، ولقد طبقت الدولة العثمانية سياستها طبقا لهذا المفهوم وبهذا تمكنت من إبقاء هذا المكان تحت سيطرتها طوال ثلاثمائة وثلاث وثمانين سنة.