الكهنوتي كله يحب المال». لقد ألقيت لسكان ذلك النزل غير المضياف وأنا أستعد لمغادرته كلمة وداع كانت هي مقولة مواطنهم المشهور سوفوكليس ، وقد قلتها بلغتهم حتى تكون مفهومة لديهم أكثر (١).
لقد فاتني الحديث عن محنة من نوع آخر عانينا منها ، وأجد من المفيد أن أرويها. لما كانت سيناء التي تسمى رسميا جبل الطور واقعة في منطقة نفوذ عباس باشا فقد كانت له فيها حامية صغيرة كانت تعسكر حينئذ بالقرب من الدير ، وكان قائد الحامية برتبة بنباشي (مقدم) (٢) ، وقد قمنا بزيارة مجاملة لهذا الضابط عند وصولنا ، فلم يحسن استقبالنا : لقد التقيناه عند مدخل المعسكر ، في الهواء الطلق ، ونحن وقوف ، بلا قهوة ولا شيشة ، بل إنه لم يدخلنا إلى خيمته. كنّا ممتعضين لأنّه أساء استقبالنا ، وأعلمناه بذلك عن طريق خادم تركي كنا نستخدمه ، وطلبنا منه قصدا أن ينقل إليه الرسالة بالتركية ؛ وهو أمر يغضب المصريين والعرب لأن التركية لغة الغزاة. لقد انزعج من توبيخنا له / ٨٥ / ، وأراد بدوره أن يثأر منا لذلك ، فطلب أن نسأل عن جوازات سفرنا ؛ نعم أيها القارىء ، جوازات سفر في سيناء! إن مصر الغنية بأسباب الحضارة
__________________
ـ أوديب بالموت. وهو أحد شخصيات مسرحيات سوفوكليس وخصوصا في «أوديب ملكا» و «أوديب في كولون» و «أنتيجونا».
(١) أثبت ديدييه قول سوفوكليس باليونانية.
(٢) يستخدم ديدييه هنا لقب Bin ـ Bachi التركي ليسخر من هذا الضابط المصري الذي لم يحسن استقبالهم. ودليلنا ما تتضمنه السطور التالية التي يتحدث فيها عن الانطباع السيء الذي تتركه لدى المصري خصوصا والعربي عموما عند ما تحدث بالتركية لأنها حسب قول ديدييه لغة الغزاة. وبنباشي أو بيكباشي : لفظ تركي بمعنى رأس الألف ، واستعملت بيكباشي في العصر العثماني المتأخر ، وتعادل وفق المصطلحات العسكرية المعاصرة رتبة (مقدم) ، انظر : معجم المصطلحات والألقاب التاريخية ، تأليف مصطفى عبد الكريم الخطيب ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ١٤١٦ ه ـ ١٩٩٦ م ، ص ٨٣ ـ ٨٤. انظر المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية ، د. سهيل صابان ، ط. مكتبة الملك فهد الوطنية ، الرياض ، ١٤٢١ ه / ٢٠٠٠ م ، ص ٦٦.