بالتفاف طويل كي تصل إلى الطائف. وأرسل لنا الشريف الأكبر بدلا منها ما يقارب خمسة عشر بغلا كانت تنتظرنا في المقهى. وبينما كنا نعدها ، كان يطاف علينا من جميع الجهات بشراب في صحيفة من خشب. وكانت أخبار وصولنا اجتذبت بدو الجوار. كانوا جميعا يرتدون أثوابا زرقاء مشدودة ، إلى الخصر بضفيرة من الجد تلتف اثنتي عشرة أو خمس عشرة مرة حول الجسد ، ناهيك عن أنهم يتجندون حمالات سيوف مزينة بصفائح صغيرة من الفضة ، موضوع بعضها فوق بعض على شكل حراشف الأسماك. أما الخنجر المعقوف الذي يسمونه هنا جنبيّة فقد كان موضوعا في أحزمتهم ، وكانوا يحملون في أيديهم رمحا جميلا ، قناته طويلة جدا ، ومستقيمة ، ومجلوة. أما العصا فقد كان يلتف حولها سلك من النحاس الأصفر المجدول بطريقة فنية. وكان بعضهم يحمل بنادق بفتيلة ، كان أخمص كل منها مربعا ، ومرصعا بالعاج. وكانت الكفيات الزرقاء تغطي رؤوسهم ، وقد وضع عليها عقال أسود مصنوع من خليط من الشمع والزبدة والراتنج المعجونة معا ، وتكون حواف ذلك العقال الخارجية مزينة / ٢٢٣ / بعروق اللؤلؤ (١).
كان هؤلاء الرجال طوالا ، ممشوقي القامة ، وقسماتهم متناغمة ، وبشرتهم سمراء داكنة ، وكان بينهم أطفال صغار لا تتجاوز أعمارهم عشرة أو اثني عشر عاما ، يلبسون كالرجال ، ويتسلحون بمثل سلاحهم ، وكانوا في غاية الكياسة. لقد شد انتباهي السلوك الأبيّ والمؤدب في الوقت نفسه لدى الرجال والأطفال على حد سواء. كانوا يعنون بنا دون تجاوز حدود الاحترام ، وكانوا يحدثوننا دون ارتباك ، كنا نلمس لديهم الاستقلالية ، وعزة النفس ، وضربا من النبل الغريزي الذي لم يستطع أي احتكاك بالأجنبي أن يفسده عليهم في عمق صحرائهم.
ليس بالإمكان تقديم لوحة أكثر روعة ، ولا استعراضا أكثر تأثيرا ومفاجأة. كانوا أول بدو أشاهدهم في بيئتهم الحقيقية ، وحملت لهم منذ تلك
__________________
(١) قارن بما في كتاب : التراث الشعبي ... ، موثق سابقا ، ص ٦٥.