وأكثرها توحشا ؛ لقد أصبح ضيقا ، ولا يتسع إلّا لمرور بغل واحد ، ومنحدرا لا يمكن التقدم فيه إلا ببطء شديد. كان فيه عقبات كثيرة ، جعلها الظلام أكثر صعوبة أيضا ، بيد أننا أدركنا بلا حوادث مقهى الكر (١) ؛ وهو مكان واسع مسور بالأحجار بلا طين ، وفي وسطه موقد مشتعل كما في الحسينية ، ولكن هذا الموقد ليس عليه أي قدر ، وعليه ، فليس هناك عشاء ، مع أن الشريف كان قد أمر بأن نجد العشاء هناك جاهزا ؛ ولكن يبدو أن الرسالة لم تبلّغ كما هي ، أو أنها لم تبلغ أبدا. لم يعدوا لنا أي خروف ولو كان صغيرا. وكنت على الدوام أشك في أن العبد «أبو سلاسي» هو الذي فعل ذلك بنا على طريقته. وكان على غاسبارو الذي لم يجد منذ جدة ما يفعله أن يمارس مهاراته هنا. ولكن الحقيقة أن ذلك لم يكن ليهمه كثيرا ؛ لأنه كان علينا أن نرضى بالحليب والأرز. ذهبنا ، بعد هذا العشاء المتواضع ، للنوم كل على سجادته ، تحت قبة السماء التي تزينها النجوم. ولما كنا قد وصلنا إلى الكر ليلا فإنني لم أستطع تبين ملامح المكان الذي كنا فيه. ورأيت في الصباح أننا في قعر حفرة ذات فوهة واسعة ، جدرانها شديدة الانحدار ، وجوانبها مسننة برؤوس تتفاوت في حدتها. / ٢٢٦ / وكانت رؤوس تلك المسننات عند ما انطلقنا تضاء الواحد تلو الآخر حسب علوها بضوء الشروق ، وكانت بعد حزم الضوء قد بدأت تتسرب على طول النتوءات الصخرية العليا ؛ إلّا أن عتمة الشفق ما زالت تغشانا ، وكنا بحاجة إلى عدد من الساعات للوصول إلى المناطق التي تضيئها الشمس. كان ينبغي ألّا نشكو مما قاسيناه من مصاعب ، لأن الصعود الشاق الآتي سيجعل ذلك ذكرى جميلة ، وقد كان يمكن أن يكون أكثر الصعود أكثر صعوبة لو أننا لم نبادره في جو بارد. وهذا ما كان الشريف حامد خطط له بدقة. ومع أن جبل كرا أقل ضخامة ، وأقل هولا من جبل سيناء فإنه يذكّر به ، بوعورة طرقاته ، وبقحطه. لعله ، شأنه شأن جبل سيناء ، قد تعرض لهزة عميقة ؛ لأن التصدعات الواسعة والتهدمات التي تنتشر فيه وتكثر ، هي آثار لا تدحض
__________________
(١) نهاية جبل الكرا وأسفله ، انظر : ما رأيت وما سمعت لخير الدين الزركلي ، ص ٧٢ ـ ٧٣.