لزلازل عنيفة خربته. لم أر في امتداده كله شجرة واحدة ، هناك بعض الجنيبات الشوكية ، وبعض من أشجار السرو القزمة التي تظهر على مسافات متباعدة عبر الصخور. كان الطريق في كل الاتجاهات منحدرا ووعرا كل الوعورة في بعض المواضع ، وإذا رأيته من الأسفل فإن سلوكه يبدو مستعصيا أبدا. لقد وصلنا على أية حال إلى نهايته بفضل خطوات البغال الواثقة ، ونفهم لماذا لا تستطيع الجمال سلوك هذه الطريق. إن مدفعية محمد علي ، إبّان حرب الوهابيين / ٢٢٧ / استطاعت مع ذلك تسلق هذه المنحدرات الوعرة ، وما زالت على الطريق الحالية آثار بعض الأعمال التي نفذت في ذلك الوقت لجعل الطريق سالكة. بل تم في بعض المواقع تعبيده مما جعله اليوم أكثر صعوبة : لأن الزمن والأمطار أزالت ذلك التعبيد ، ولم يتم إصلاحه بعد ذلك أبدا ، وقد تحولت مواد التعبيد اليوم إلى أحجار متحركة ، وإلى أفخاخ مزروعة عمدا تحت أقدام المطايا. وقد بلغت الصعوبات في بعض الأحيان حدا كان يقتضي الترجل عن البغال ، وإنزال كل الأحمال عنها ، كانت البغال متشبثة بالأرض ، تنزلق إلى الوراء ، تكاد تسقط في الهوة ، لو لا أن البغّالة كانوا يسندونها ، وكانوا غالبا مضطرين لحملها. أما عرب المرافقة فكانوا حفاة الأقدام ، يقفزون من صخرة إلى صخرة ، وكأنهم من ظباء الجبال ، وكان يمكن لهم أن يخلفونا وراءهم بمسافة طويلة ، لو لا أنهم كانوا يتوقفون غالبا لانتظارنا. كانوا ، وهم جالسون أو واقفون على رؤوس الصخور ، يبعثون الحياة في الطبيعة القاسية التي كانوا سمة من سماتها الأساسية.
وجدنا أنفسنا بعد ساعتين أو ثلاث من الصعود المتعب ، وكأنما للتعويض عن ذلك التعب ، ومكافأة عليه مستحقة ، أمام نبع عذب محمي تحت كتلة ضخمة من الجرانيت ومحاطة بالنعناع ، والزقوم (١) Absinthe ،
__________________
(١) عشبة معمرة تستعمل في الطب للهضم والإدرار. وذكر تاميزيه في كتابه : رحلة في بلاد العرب ـ الحملة الصمرية على عسير ١٢٤٩ ه / ١٨٣٤ م ، القسم المترجم ، ص ١١٦ أن العرب تسمي الأفسنتين Absynthe الزقوم ، وأضاف تاميزيه : «... وجدنا بالقرب من العقيق نوعا من الزقوم ، يشبه الذي نجده في أوروبا ، ولونه هنا يميل إلى ـ