والخزامى ، ونباتات أخرى ذات رائحة عطرة. / ٢٢٨ / كان الشريف حامد على غير عادته قد سبقنا بما يقارب مئة خطوة ، وأعدّ لنا هناك قرب النبع وجبة طعام بسيطة ، كان ماء النبع البارد والنمير أبازيره المناسبة. وظهر في إعداد الوجبة ما عرفناه من أناقة الشريف في كل أفعاله. كان النظر من هذا الموضع يقع ، إذا نظرنا إلى الخلف ، على هوة واسعة من الحجر خرجنا من قعرها الذي تستطيع العين بهلع أن تقدر مدى عمقه : إذ تنتشر في كل مكان شعاف جرداء ، وجروف شاسعة ، ومنحدرات مذهلة. كان يشيع في تلك الطبيعة المخيفة صمت عميق ، لا يقطعه إلّا أصداء بعيدة لأصوات بعض الرعاة الذين لا نراهم. وفي الأفق البعيد نحو الغرب ، وفيما وراء تلك الشعاف ، كان يقبع بجلاله وانفراده جبل كبكب الرائع الذي بدا لي في مساء اليوم السابق ، وقد غشاه لون وردي جميل. أما الآن فيغشاه لون أزرق لامع ، أكثر غمقا من لون السماء ، كان ينتصب في الأفق وكأنه جدار من الفولاذ الأسمر.
أمّا جبل كرا فيسكنه نزلاء أكثر حبا للسلم ، أعني القرود التي يحمل كل ما يمكن القبض عليه منها إلى مكة المكرمة ، ويحملها الحجاج معهم من هذا المكان إمّا إلى دمشق وإمّا إلى القاهرة حيث رأيت عددا منها يصل إبّان الحج الأخير ، / ٢٢٩ / ولكنني في مقابل ذلك لم أر أيا منها حرا متوحشا في الطبيعة. ويروي الناس بخصوصها حكاية ، يضحك العرب لها كثيرا ؛ إذ يروى أن المطر أصاب بضاعة أحد تجار الطرابيش فبلّلها ، فنشرها في الشمس لتجفيفها ؛ وما إن رأت القرود ذلك حتى هرعت من كل أنحاء الجبل ، وكم كانت دهشة التاجر عند ما رآها تتواثب حوله ، وقد اعتمر كل واحد منها طربوشا. وتشيع دعابة مماثلة في الموانىء البحرية الأوروبية بفارق بسيط هو أن الطرابيش تتحول في الحكاية الأوروبية إلى قبعات من القطن (١).
__________________
ـ الأخضر الداكن ، ويستخدمه العرب هنا كبهارات عند الطبخ ، ويستخرجون منه عصيرا ـ أيضا ـ». ترجم هذا القسم من رحلة تاميزيه الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة ، ونشره في الرياض ١٤١٤ ه / ١٩٩٣ م.
(١) قال العياشي في رحلته ماء الموائد (الرحلة العياشية) ، ج ٢ ، ص ١١٦ : «... ورأينا ـ