الفصل الثالث عشر
مغادرة جدة
عند عودتي إلى جدة ، كان عزل الحاكم أمرا مقضيا ، أو على الأقل شائعا بين الناس ؛ لكنه لم يكن قد غادر بعد موقعه الذي كان عليه البقاء فيه حتى وصول خليفته. وأدى عزله إلى عزل عثمان آغا معه ، وكان يعدّ صنيعته ، وقد كان كذلك حقيقة. وكان أحمد عزت ينأى بنفسه ، باعتباره من أكبر باشاوات الإمبراطورية العثمانية ، عن زيارة أحد ، حتى قنصلي بريطانيا وفرنسا اللذين كانا ضعيفين ، / ٣٠٤ / ويحتملان منه هذا الغرور.
لم يقم ، والحالة هذه ، بردّ الزيارة التي خصصته بها عند وصولي إلى جدة ، ولم أتلق منه إبّان إقامتي كلها في تلك المدينة أي آيات المجاملة ، ولعله كان بذلك يود إفهامي أن أكتفي بما كان ، وأن أذهب ، وألا أعود إليه. إلّا أنه ، لمّا كان حريصا على إظهار تهذيبه ، مع الاحتفاظ بخيلائه ، فإنه أرسل إليّ في اليوم الذي تلا يوم عودتي إلى جدة أحد أقربائه ليهنئني باسمه لنجاح رحلتي. وقد غيّرت هذه المجاملة انطباعي الأول ، وخصوصا أنني رأيت أنه من مبادىء الذوق السليم ألّا أعتب على موظف معزول. فقمت برفقة السيد دوكيه بزيارة استئذان مرت كالزيارة الأولى ، بفارق طفيف هو أن الباشا بدا أكثر عجلة ، وأكثر إقناعا ، وأثقلني باعتراضاته التي لم أعرها كبير اهتمام. لم يكن ينبغي أن أذكر كلمة واحدة عن رحلتي إلى الطائف ، ولا أن يصدر عني أي تلميح للشريف الأكبر. وإن مثل ذلك الصمت يدل كل الدلالة على الحقد الشديد الذي يكنه للأمير الشريف.