تكاد تكوّن غابة من النخيل ، أشجارها شديدة الكثافة ، يلتصق بعضها ببعض فلا نستطيع المرور عبرها إلا بصعوبة بالغة. وتعود ملكية هذا البستان في معظمها إلى دير جبل سيناء ، ولكنها ملكية تكاد تكون شكلية لأن المالك لا يستطيع أبدا أن يجني ثمارها ؛ لأن بدو الجوار يسارعون إلى جنيها / ٤٠ / ويستولون في كل سنة على بواكر المحصول ، بل على المحصول كله ، وقد فكر الرهبان في وضع أحدهم للحراسة ، ولكن الناطور المتنسك أغلق على نفسه في حصن ما زلنا نرى بقاياه ، ولا يمكن الوصول إليه إلّا بارتقاء السلم ، وكان ينتابه ذعر شديد من السارقين حتى إنه لم يكن يغادر مكان سكنه ، ولا يسمح لأحد بالدخول إليه باستثناء خادم مكلف بأن يحمل إليه في كل أسبوع الماء والطعام. وكان البدو في أثناء ذلك يجنون غصبا التمور التي ينبغي أن يحرسوها ويأكلوها. إنهم يعيشون على الأرض التي يملكها الدير ، وكأنهم في بلاد من بلاد الفتوح.
إن هذه الواحة (١) الجميلة محمية من الشمال بجبل حمّام الذي تتباين صخوره الكلسية مع الخضرة الندية التي تكسو طوال العام العينين الغزيرتين اللتين تتفجران من أسفل الجبل : إحداهما شديدة البرودة ، صافية كل الصفاء ، ولها طعم لذيذ ؛ أما الأخرى فهي على العكس حارة ، يكثر فيها الحديد ، ومشربة تماما بالكبريت. وقد بني على هذه الأخيرة بناء (٢) محكم الإغلاق ، جيد المواقع لتوفير الراحة لمن يريدون السباحة فيها ، ولم يفتني الاستحمام فيها ؛ وقد كان حماما رائعا بقيت أياما طوالا بعده أشعر بالنظافة من أثره.
__________________
(١) واحة ليست في المعاجم العربية ولم أجد إلا الواحات واحدها واح على غير قياس وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان ، ط. دار صادر ، بيروت ، ١٣٩٩ ه / ١٩٧٩ م ، ج ٥ ، ص ٣٤١ عن الواح : لا أعرف معناها وما أظنها إلا قبطية.
ويتحدث الجغرافيون عن منطقة الواحات في مصر.
(٢) ذكر بيرتون في رحلته ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ١٦٦ أنه مبنى صغير من طابق واحد ... بناه عباس باشا ليستخدمه كاستراحة ، وكان مطليا باللون الأبيض الساطع ، ومزينا بستائر من الكاليكوCalico ذوات ألوان متدرجة رائعة.