هاهنا ، أى جميع ما سوى الله من الموجودات محدث ، أى موجود مسبوق وجوده بعدمه سبقة زمانيّة. والمراد أنّ مجموع العالم محدث بجميع أجزائه خلافا لجمهور الحكماء فان من عدا افلاطون وجالينوس منهم ذهبوا إلى أنّ العالم قديم فى الجملة.
أمّا الفلكيّات فبموادّها وصورها الجسميّة والنوعيّة وأعراضها غير الحركات والأوضاع الشّخصيّة ، وأمّا العنصريّات فبموادّها وصورها الجسميّة المطلقة بذواتها وصورها النّوعية إمّا بجنسها أو بنوعها. وأمّا الحدوث والقدم الذّاتيّان وهما الاحتياج فى الوجود إلى الغير وعدم الاحتياج فيه إليه فهو من مصطلحات الفلاسفة ولا خلاف فى كون العالم حادثا بهذا المعنى. والدّليل على كون العالم محدثا بجميع أجزائه أن العالم إمّا أجسام وإمّا أجزائها سواء كانت هيوليات وصورا أو جواهر فردة أو ما فى حكمها من الخطوط والسّطوح الجوهريّة ، وإما أعراض قائمة بها ، وكلّ واحد من اقسام الثّلاثة محدث ، فالعالم بجميع أجزائه محدث. أمّا حدوث القسمين الأوّلين فظاهر ، لأنّ كلّ جسم فلكيّا كان أو عنصريّا وكذا أجزائه فإنّه لا ينفكّ عن الحوادث ، أى كلّ جسم يوجد فانه لا ينفكّ عن شيء من الحوادث ، ولذا صحّ دخول الفاء فى خبر أنّ على القول المختار ، والحوادث جمع حادث وهو بمعنى المحدث ، كالكواهل جمع كاهل أعنى الحركة والسّكون وذلك لأنّ الجسم وأجزائه لا ينفكّ عن التحيّز ، وما لا ينفكّ عن التحيّز لا ينفكّ عن الحركة والسّكون.
أمّا الصّغرى فلانّ كلّ واحد من الجسم وأجزائه جوهر وهو عبارة عمّا قام بذاته ، ومعنى القيام بالذّات عند المتكلّمين هو التحيّز بالذّات. وأمّا الكبرى فلأنّ التحيّز هو الكون فى الحيّز ، وهو إن كان كونا أوّلا فى حيّزان فهو حركة ، وإن كان كونا ثانيا فى حيّز أوّل فهو سكون وهو المراد بقول بعضهم : انّ الحركة كون الأوّل فى مكان ثان والسّكون كون ثان فى مكان أوّل حيث أراد بالمكان الحيّز وإلّا فهو أخصّ من الحيّز ، لانه بعد موجود أو موهوم ينفذ فيه بعد الجسم ، والحيّز بعد يشغله شيء ممتدّا أو غير ممتد ، وهو المراد حتى يشتمل الجواهر الفردة وما فى حكمها. فمن قال المراد بالمكان بعد الجسم