فالجواب انّ تلك الأمور العدميّة لا بد أن يكون متحقّقة فى نفس الأمر وإن لم يكن موجودة فى الخارج ، وكذا الوجودات السّابقة عليها لو كانت ، وبرهان التّطبيق كما يدلّ على بطلان التّسلسل فى الأمور الموجودة فى الخارج كذلك يدلّ على بطلان الأمور الموجودة فى نفس الأمر بلا تفاوت على ما تقدّم.
اقول : بقى هنا انّ هذا الدّليل يمكن إجرائه فى نفى القدرة والاختيار بأن يقال : لو كان الله تعالى قادرا مختارا لم يتخلّف أثره عنه بالضّرورة ، لأنّ تاثيره فى العالم بالاختيار إمّا أن يكون على سبيل الاستقلال أو بشرط قديم أو حادث وعلى كلّ تقدير يمتنع تخلّف الأثر عنه قطعا لعين ما ذكر ، وما هو جوابنا فهو جوابكم. والفرق بأنّ الشرط على تقدير الاختيار هو تعلّق الإرادة وعلى تقدير الإيجاب غيره ليس بمؤثّر على ما لا يخفى. وسيأتى فى بحث الإرادة ما يتعلّق بهذا المقام ويفيد مزيد كشف للمرام.
ولمّا بيّن انّه تعالى قادر ردّا على الحكماء أراد أن يبين أنّ قدرته شاملة لجميع الممكنات ردّا على الثّنوية حيث زعموا أنّه تعالى لا يقدر على الشّر ، وعلى النّظام حيث ذهب الى أنّه تعالى لا يقدر على القبائح ، وعلى البلخى حيث ذهب الى أنه تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد ، وعلى اكثر المعتزلة حيث ذهبوا الى أنّه تعالى لا يقدر على نفس مقدور العبد ، فقال :
قدرته تعالى متعلّق بجميع المقدورات ، أى الممكنات بالإمكان الخاصّ ، وأمّا ما قيل فيه ردّا على الحكماء حيث زعموا أنّه تعالى لا يقدر على أكثر من واحد بناء على أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد كما هو المشهور فهو مردود ، لأنّ سلب قدرته تعالى على أكثر من واحد بمعنى عدم إمكان ذلك عنه كما يدلّ عليه بيانهم ، وإلا فسلب القدرة بالمعنى المتنازع فيه غير مختصّ عندهم باكثر من واحد ، على انّ تحقيق مذهبهم أنّه لا مؤثر فى الحقيقة إلّا الله ، والوسائط شرائط وآلات كما حقّقه بعض المحققين وعلى هذا يلزم كونه تعالى قادرا عندهم على اكثر من واحد ، لكن لا من حيث انّه واحد بل من حيث تكثير الشّرائط والآلات كما لا يخفى.