وقد جعل بعض الشّارحين مجموع المقدّمتين إشارة إلى دليل واحد على المطلوب ، وهذا وان كان ملائما لسياق الكلام ويؤيده قوله فيكون قدرته عامّة لكنّه مخالف لما هو المشهور فيما بينهم فتأمّل تعرف.
الصّفة الثّانية من الصّفات الثّبوتية أنّه تعالى عالم.
قد يطلق العلم ويراد به مطلق الإدراك وهو الصّورة الحاصلة عن الشيء عند الذّات المجرّدة ، وهو بهذا المعنى يعمّ التّصورات والتّصديقات اليقينية وغير اليقينيّة ، وقد يطلق ويراد به التّصديق اليقينى ، وقد يطلق ويراد به ما يتناول التّصديقات اليقينيّة والتّصورات مطلقا ، وهو بهذا المعنى يفسّر بانه صفة توجب تميزا لا يحتمل النقيض ، بناء على ما زعموا من أنّه لا نقيض للتّصوّرات. والأولى حمله هاهنا على هذا المعنى لأنّه المتبادر من لفظ العلم شرعا ولغة على ما قالوا ، ولانّ علم الله منحصر فى اليقين والتّصوّر ، ويمكن حمله على المعنى الأوّل على أن يكون المراد بالصّورة أعمّ من الصّورة العقليّة والخارجيّة ليشتمل العلم الحصولىّ والحضورىّ ، ضرورة أنّ علمه تعالى حضورى على ما حقّق فى محله.
وإنّما قدّم العلم على الحياة لانّ إثباتها يتوقّف على إثباته كالقدرة على ما ستطلع عليه ، لأنّه تعالى فعل اى اوجد وخلق الأفعال اى الآثار ، على ان يكون المراد من الفعل الحاصل بالمصدر المحكمة المتقنة ، الإحكام والإتقان متقاربان فى اللّغة ، والمراد بهما هاهنا اشتمال الآثار على لطائف الصنع وبدائع التّرتيب وكمال الملايمة للمنافع والمصالح المطلوبة منها ، وكل من فعل ذلك فهو عالم بالضّرورة ، أمّا الصّغرى فلما ثبت من أنّه تعالى خالق للعالم الواقع على نمط بديع ونظام منيع ، مشتمل على ما فى الآفاق والأنفس من عجائب القدرة وغرائب الصّنعة بحيث يتحيّر فيها العقول والأفهام ولا يفى بتفاصيلها الدّفاتر والأقلام.
وأمّا الكبرى فبالبديهة كما يشير إليه قوله : بالضّرورة وقد نبّه عليه بأنّ من راى خطوطا مليحة وسمع الفاظا فصيحة موضحة عن معان صريحة واغراض صحيحة علم قطعا انّ فاعلها عالم.