واعترض عليه بأنّ بعض الحيوانات العجم قد يصدر عنها أفعال متقنة محكمة فى ترتيب مساكنها وتدبير معايشها ، كما للنّحل والعنكبوت وكثير من الوحوش والطّيور على ما فى الكتب مسطور وفيما بين النّاس مشهور مع أنّها ليست من أولى العلم.
وأجيب بأنّه لو سلّم أنّ موجد هذه الآثار هو هذه الحيوانات فلم لا يجوز أن يكو لها من العلم قدر ما تهتدى به إلى تلك الآثار ويؤيّده قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً).
اقول : هذا الجواب إنّما يتمّ إذا قرّر السؤال بطريق النقض ، وأمّا إذا قرّر بطريق المنع على بداهة الكبرى بأنّه لما جاز صدور تلك الآثار عن هذه الحيوانات من غير علم فلم لا يجوز أن يكون ما نحن فيه أيضا كذلك لا بد لنفى ذلك من دليل. فلا يتمّ ، لأنّ ملاحظة تلك الآثار يوجب دغدغة للناظر فى دعوى البداهة كما لا يخفى. ثمّ أقول هذا الدّليل منقوض بالنّائم او ممنوع بأنّه فاعل للأفعال الحكمة المتقنة اختيارا عند الجمهور وإن كانت قليلة مع أنّه ليس عالما عندهم ، فلم لا يجوز أن يكون صانع العالم أيضا كذلك. والفرق بكثرة الآثار المحكمة وقلّتها وإن كان نافعا فى رفع النقض لكنّه غير نافع فى رفع المنع. على أنّه إن أريد من العلم فى الكبرى المعنى المختص باليقين من التّصديقات فهى ممنوعة ، لجواز أن يكون التّصديق الغير اليقينيّ كافيا فى خلق تلك الآثار المحكمة المتقنة ، وإن اريد المعنى الشّامل للتّصديقات اليقينيّة وغير اليقينيّة فهى مسلمة لكن لا يتمّ التّقريب ، إذا الظّاهر أنّ المطلوب إثبات العلم بالمعنى المختصّ بالتّصديقات اليقينيّة ومطلق التّصورات إليه سابقا.
وعلمه تعالى يتعلّق بكلّ معلوم ، اى كلّ ما من شأنه أن يعلم بوجه ما ، سواء كان واجبا او ممكنا ممتنعا ، وسواء كان ذاته أو غيره ، وسواء كان جزئيّا او كليّا ، حادثا أو قديما قبل وقوعه ، أو بعده لتساوى نسبة جميع المعلومات اى جميع الاشياء إليه ، أى إلى الله فى صحّة كونها معلومة له ، أو إلى علمه تعالى فى صحّة تعلّقه بها. والحاصل أنّه تعالى يصحّ أن يعلم كلّ شيء لانّه حىّ وكلّ حي يصحّ