أن يعلم كلّ معلوم ، أى كل شيء. أمّا الصّغرى فلما سيجيء الدّليل ، وأمّا الكبرى فلأنّ الحياة إمّا نفس صحّة العلم والقدرة ، أو صفة توجب صحّة العلم والقدرة ، وأيّاما كان فصحّة العلم المعتبرة فى مفهومها مشتركة بين جميع الاشياء ، لا اختصاص لها بشيء دون شيء فثبت انّه تعالى يصحّ أن يعلم كل شيء.
اقول : فيه نظر ، لأنّا لا نسلّم انّ صحّة العلم المعتبرة فى مفهوم الحياة مشتركة بين جميع الأشياء لجواز أن يكون لبعض الأشياء خصوصيّة تقتضى امتناع تعلّق العلم به كالممتنعات بالنسبة إلى القدرة هذا ، وإذا صحّ أن يعلم كلّ شيء فيجب له ذلك اى العلم لكلّ شيء لأنّ العلم صفة الكمال.
وحينئذ لو لم يجب لذاته أن يعلم لافتقر فى علمه ببعض الأشياء إلى غيره ، والتّالى باطل لاستحالة افتقاره فى صفة كمال إلى غيره على ما سيأتى بيانه فالمقدّم مثله.
أقول : ذلك الدّليل لو تمّ بجميع مقدّماته لزم أن يكون قدرته تعالى أيضا متعلّقة بجميع الأشياء بعين ما ذكره ، مع أنّها لا تتعلّق إلّا بالممكنات. وأيضا يمكن أن يستدلّ على أنّ علمه تعالى لا يمكن أن يتعلّق بالمعدومات كالعنقاء وشريك البارى بأنّ العلم بالأشياء يكون على وجهين : أحدهما يسمّى حصوليّا وهو حصول صور الأشياء فى القوى المدركة. وثانيهما يسمّى حضوريّا وهو حضور الأشياء أنفسها عند العالم كعلمنا بذواتنا ، وبالأمور القائمة بها ، وهو أقوى من الأوّل ، ضرورة أنّ انكشاف الشّيء لاجل حضوره بنفسه أقوى من انكشافه لاجل حصول مثاله ، ولما زادهم قائم البرهان عن القول بحصول صور الأشياء فى ذاته تعالى حكم بعضهم بأنّ علمه تعالى بالأشياء بحضورها أنفسها عنده ، وبعضهم بأنّ علمه بها بحصول صورها فى مجرّد آخر ، وإذا ثبت أن علمه تعالى إما حضوريّ أو حصولىّ بحصول صور الأشياء فى مجرّد آخر ، فنقول الثّاني باطل لاستلزام قيام العلم بغير العالم كما لا يخفى فتعيّن الأوّل كما هو المشهور. ومن البيّن أن العلم الحضورى لا يمكن أن يتعلّق بالمعدومات خصوصا الممتنعات ، إذ لا حقايق لها ثابته حتى نتصوّر حضورها بنفسها فتدبّر جدّا.