حقيقة فى الصّورة الثّانية هو الوجه ، وإنّما يوصف ذو الوجه بالمعلوميّة بالعرض كما هو التحقيق عند المحقّقين ، فلا يتمّ هذا الكلام كما لا يخفى على ذوى الأفهام.
ومنهم من قال أنّه تعالى لا يعلم الحوادث قبل وقوعها ، وإلّا يلزم أن يكون تلك الحوادث ممكنة وواجبة معا ، والثانى باطل ، فالمقدّم مثله. أمّا الشرطية فلأنّها ممكنة لكونها حادثة وواجبة أيضا لأنّ علمه تعالى بها يقتضي وجوبها ، ضرورة أنّ إمكانها يستلزم إمكان انقلاب علمه جهلا وهو محال.
وأجيب بأن العلم تابع للمعلوم فلا يكون علّة موجبة له ، ولو سلّم فالإمكان الذّاتي لا ينافى الوجوب بالغير.
أقول : يمكن أن يقال لو صحّ ذلك الدّليل لزم أن لا يتعلّق علمه تعالى بالحوادث بعد وقوعها أيضا بعين ما ذكره ، بل يلزم أن لا يوجد ولا يعدم ممكن أصلا ، ضرورة أنّ كلّ ممكن موجود محفوف بوجوبين ، وكذا كلّ ممكن معدوم محفوف بامتناعين ، وكما انّ الوجوب ينافى الإمكان كذلك الامتناع ينافيه قطعا.
وقد يتمسّك فى كونه تعالى قادرا وعالما بالكتاب مثل قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وبالسّنّة وإجماع الأمّة على ذلك ، بل على كونه تعالى متّصفا بصفات الكمال مطلقا ، ومنزّها عن صفات النّقصان جميعا ، حتى انّ بعضهم استدلّ على وحدة الواجب بأنّ الوحدة أولى من الشّركة ، والواجب يجب أن يكون فى أعلى مراتب الكمال إجماعا.
وأورد عليه أنّ التّصديق بإرسال الرّسل وإنزال الكتب يتوقّف على التّصديق بالقدرة والعلم فيدور. وأجيب عنه بمنع التّوقف.
أقول : هذا المنع موجّه لدلالة المعجزة على صدق الرّسل فى كلّ ما أخبروا به ، وإن لم يخطر بالبال كون المرسل قادرا وعالما على ما حقّق فى محلّه ، فالقول بأنّ ذلك المنع مكابرة تقوّل ، نعم يتّجه أنّ تلك الأدلة لا يفيد اليقين والمطالب اليقينيّة فلا تغفل.
الصّفة الثّالثة من الصّفات الثبوتية أنّه تعالى حىّ.