واعلم انّ العلماء بعد اتّفاقهم على القول بإرادة الله تعالى لوجود الممكن وعدمه اختلفوا فى أنّها ما هى؟ فقال الحكماء هى علمه تعالى لوجود النّظام الأكمل ويسمّونه عناية ، وقالت الأشاعرة هى صفة زايدة مغايرة للعلم والقدرة توجب تخصيص أحد المقدورين بالوقوع ، وقال بعض المعتزلة هى عدم كونه مكرها ولا مغلوبا ، وبعضهم هى فى فعله تعالى العلم بما فيه من المصلحة ، وفى فعل غيره الأمر به. وقال أهل الحق واختاره جمهور المعتزلة هى العلم بالنّفع والمصلحة الدّاعية إلى الإيجاد فى الفعل أو المفسدة الصّارفة عنه فى التّرك ، ويسمى الأوّل داعيا والثّاني صارفا ، واستدلّ عليه بعض المحققين بأنّها لو كانت أمرا آخر سوى الدّاعى والصّارف يلزم التّسلسل وتعدّد القدماء ، لأنّ ذلك لو كان قديما لزم تعدّد القدماء ولو كان حادثا احتاج إلى مخصّص آخر ويلزم التّسلسل.
وفيه نظر ، لأنّه إنّما يدلّ على كون الإرادة غير زايدة على الذّات وأمّا على كونها عين الدّاعى والصّارف فلا كما لا يخفى ، على أنّ تعدّد القدماء غير مسلّم عند الخصم ، إلّا أن ينتهى الكلام على التحقيق.
الصّفة الخامسة من الصفات الثبوتية أنّه تعالى مدرك أطبق المسلمون حتّى فلاسفة الإسلام على أنّه تعالى مدرك أى سميع بصير ، لكنّهم اختلفوا فى معناهما :
فقال جمهور المتكلّمين : انّهما صفتان زائدتان على العلم ، وقال بعضهم كالاشعرى والكعبى انّهما عبارتان من علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات وهو الحقّ المختار عند المحقّقين. أمّا كونه مدركا فلأنّه يصحّ أن يتّصف بالإدراك الّذي هو صفة الكمال ، وكلّما يصحّ أن يتّصف به من صفات الكمال فهو متّصف به بالفعل ، فيكون متصفا بالإدراك بالفعل وهو المطلوب.
أمّا الصّغرى فهى لأنّه تعالى حىّ لما تبيّن فيما تقدّم ، وكلّ حىّ يصحّ أن يدرك ، اذ الحياة مصحّحة للإدراك قطعا ، فيصحّ له تعالى أن يدرك.
وأمّا الكبرى فلأنّ الخلوّ عن صفة الكمال فى حق من يصحّ اتّصافه بها نقص ، وهو على الله تعالى محال. وفيه نظر :