أمّا أوّلا ، فلأنا لا نسلّم انّ حياته تعالى مثل حياتنا مصحّحة للسّمع والبصر ، لأنّه قياس الغائب على الشّاهد ، مع المخالفة فى كثير من الصّفات ، على أن يكون حياتنا أيضا مصحّحة لهما أيضا محلّ النّظر لجواز أن يكون ما يصحّحهما لنا أمر آخر
وأمّا ثانيا فأنّا لا نسلّم انّ الخلوّ عن صفة الكمال نقص.
وأمّا ثالثا فلأنّ العمدة فى تنزيه الله تعالى عن صفات النقص هو الإجماع الّذي ثبت حجيّته بظواهر الآيات والأحاديث ، وقد انعقد الإجماع على كونه تعالى سميعا بصيرا ، ونطقت النّصوص به أيضا ، فليعوّل فى هذه المسألة على الإجماع ابتداء ، بل على النّصوص الدّالّة على ذلك ، لأنّ النّصوص الدّالّة على كونه سميعا بصيرا أقوى من الظّواهر الدّالة على حجّية الإجماع ، وإن ثبت حجّية الإجماع بالعلم الضّرورى الثّابت من الدّين ، فذلك العلم الضّرورى ثابت فى السمع والبصر سواء بسواء فلا حاجة فى إثباتهما إلى التّمسك بدليل بعض مقدّماته ، وقيل ثابت بالإجماع. ثمّ التّمسّك فى حجّية الإجماع بظواهر النّصوص أو العلم الضّرورى فإنّه تطويل بلا طائل بل الأولى أن يتمسّك فى ذلك ابتداء بالإجماع أو بالنّصوص أو العلم الضّرورى.
وكان المصنّف أشار إلى التّمسّك بالنّصوص الدّالة على كونه سميعا بصيرا بقوله : وقد ورد القرآن وكذا الحديث بثبوته أى الإدراك له تعالى بحيث لا يمكن إنكاره ولا تأويله مثل قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). فيجب إثباته له قطعا وإلّا لزم كذبه تعالى وهو محال كما سيجيء.
ويحتمل أن يكون قوله : وقد ورد القرآن الخ مع ما قبله دليلا واحدا على الإدراك. وتقريره أنّه يصحّ اتّصافه تعالى بالإدراك ، وقد ورد القرآن بثبوته له ، وكلما ورد القرآن بثبوته له مع صحّته وامكانه عليه فهو ثابت له ، بخلاف ما ورد القرآن به ولم يكن ثبوته له تعالى كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) إذ لا بدّ فيه من التأويل. وأمّا كونه تعالى سميعا بصيرا بمعنى علمه بالمسموعات والمبصرات. فللقطع بأنّه يمتنع السّمع والبصر بمعنى الإحساس بالسّامعة والباصرة عليه تعالى ، ضرورة أنّ القواطع