قيام الحوادث به تعالى لكن يجوز أن تقوم به صفات اعتبارية متجدّدة اتّفاقا مثل كونه مع زيد وبعده. وأيضا للمعتزلة أن يمنعوا كبرى القياس الأوّل بناء على أنّهم جوّزوا كون صفاته تعالى حادثة من غير أن يكون قائمة به تعالى ، حيث قالوا فى إرادته تعالى انّها حادثة قائمة بذاتها لا بذاته على ما بيّن فى محلّه.
واعلم ، ان قوله بالاجماع إشارة الى أنّ طريق إثبات الكلام هو السّمع لا العقل على ما ذهب إليه جماعة. وتقريره أنّه اتّفق جميع المسلمين على أنّه تعالى متكلّم ، بل أجمع عليه كافة المليّين من الأوّلين والآخرين بحيث صار من ضروريات الدّين.
وربّما يستدلّ عليه بقوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) وبانّه قد تواتر وتوارث عن الأنبياء (ع) أنّه تعالى متكلّم ، وقد ثبت صدقهم بدلالة المعجزات من غير توقّف على ثبوت صفة الكلام حتّى يلزم الدّور ، وفى كلّ منهما كلام لا يخفى على ذوى الأفهام ، على أنّ صاحب التلويح صرّح بأنّ ثبوت الشّرع موقوف على أمور منها صفة الكلام وعلى هذا لا يصحّ اثبات الكلام بالسّمع كما لا يخفى.
وأمّا ما استدلّ به بعض المحقّقين من أنّ عموميّة القدرة يدلّ على ثبوت الكلام ففيه نظر ، لأنّ عموم قدرة الله تعالى بجميع الممكنات على تقدير تسليمه إنّما يدلّ على مقدوريّة الكلام لا على كونه متكلّما بالفعل وهو المطلوب.
ومنهم من تصدّى لاتمام الدّليل بضمّ مقدّمات فقال : لمّا ثبت أنّ قدرته تعالى عامّة شاملة لجميع الممكنات ، وخلق الألفاظ الدّالة على المعانى ممكن ثبت صحّة اتّصافه بالتّكلّم بمعنى خلق تلك الألفاظ. ولا شكّ أنّ عدم التّكلّم ممّن يصحّ اتّصافه به نقص يجب تنزيه الله تعالى عنه ، وإن نوقش فى كونه نقصا سيّما إذا كان مع القدرة على التّكلّم كما فى السّكوت ولا خفاء فى انّ المتكلّم أكمل من غير المتكلّم ، ويمتنع أن يكون المخلوق أكمل من الخالق ، فثبت أنّه متكلّم بمعنى أنّه خالق للألفاظ الدّالة على المعانى وهو المطلوب.
اقول : فيه أنّه لو سلّم إمكان خلق الألفاظ من الله تعالى وكون المخلوق خالقها ، فلا نسلّم المتكلّم أكمل من غيره كما فى القيام والقعود وأمثالهما فليتأمّل.