الشّيخ على أنّه اراد بالمعنى القائم بالغير فيكون الكلام النّفسىّ عنده أمرا شاملا للّفظ والمعنى جميعا قائما بذات الله تعالى.
وما يقال من أنّ الحروف والألفاظ مترتّبة متعاقبة ، فجوابه انّ ذلك التّرتّب إنّما هو فى التّلفّظ لعدم مساعدة الآلة ، فالحادث هو التّلفّظ دون الملفوظ انتهى. وقال بعض المحقّقين فى شرح المواقف هذا الحمل لكلام الشيخ ممّا اختاره محمّد الشّهرستانى فى كتابه المسمى بنهاية الاقدام ولا شبهة فى أنّه أقرب إلى الأحكام الظّاهرية المنسوبة الى قواعد الملّة وفيه نظر:
أمّا أوّلا ، فلانّ اشتراك كلام الله تعالى بين اللّفظى والنّفسى يدفع تلك المفاسد قطعا.
وأمّا ثانيا ، فلأنّه إن اراد بقيام ذلك الأمر الشّامل للّفظ والمعنى جميعا بذاته تعالى قيامه باعتبار صورة العلميّة به تعالى كالفاظ القرآن بالنسبة إلى الحافظ فهو راجع إلى صفة العلم ، مع أنّهم اتّفقوا على أنّ كلامه تعالى مغاير للعلم والإرادة وساير الصّفات المشهورة ، على أنّه لا اختصاص للقيام باعتبار صورة العلميّة بكلام الله تعالى بل كلام البشر أيضا قائم به تعالى بهذا الاعتبار وكذا ساير الموجودات. وإن اراد قيامه به باعتبار صورته الخارجيّة فمن البيّن المكشوف انّ الملفوظ حادث كالتّلفّظ ، والفرق بينهما فى ذلك خارج عن طور العقل على ما لا يخفى.
الصّفة الثّامنة من الصّفات الثّبوتيّة أنّه تعالى صادق فى جميع أخباره
. اتّفق المسلمون على أنّ كلامه تعالى صادق ، والكذب فيه محال ، وهما يطلقان تارة على ما هو صفة الكلام وتارة على ما هو صفة للمتكلّم. فالصدق على الأوّل عند الجمهور وهو المذهب المنصور كون الخبر بحيث يكون حكمه مطابقا للواقع ويقابله الكذب بمعنى خبر لا يكون حكمه مطابقا للواقع. والصّدق على الثّاني هو الإخبار عن الشّيء على ما هو عليه فى نفس الأمر ويقابله الكذب بمعنى الإخبار عن الشّيء لا على ما هو عليه فى نفس الأمر. والدّليل على ذلك انّه لو لم يكن كلامه الخبرى صادقا لكان كاذبا بالانحصار