الخبر فيهما على التحقيق ، لكن اللّازم باطل ، لأنّ الكذب قبيح بالضّرورة والقبيح محال عليه تعالى كما سيجيء بيانه فالملزوم مثله. وأيضا اللّازم باطل لأنّ الله تعالى منزّه عنه أى عن الكذب لاستحالة النّقص عليه أى لأنّ الكذب نقص بديهة ، والنّقص محال عليه بالإجماع. وفى بعض النّسخ ولاستحالة النّقص عليه بالواو وحينئذ يكون قوله : والله تعالى منزّه عنه اى عن القبيح من الدّليل الأوّل وهى أحسن كما لا يخفى.
واعلم انّ الدّليل الأوّل من الأدلّة المعتزلة ، والثّاني من أدلّة الأشاعرة ، وفيه انّ المطلب يقينىّ ، والدّليل المستند إلى الإجماع لا يفيد اليقين إلّا إذا كان الإجماع مقطوعا به وهو فيما نحن فيه ممنوع. على أنّ الإجماع المقطوع به لا يلزم أن يفيد اليقين على رأيهم ، وأيضا الإجماع عندهم إنّما يكون حجّه لاستناده إلى النّص ، ودلالة النّص موقوفة على صدق كلام الله تعالى ، فإثبات صدق كلامه تعالى بما يستند إلى النّصّ يستلزم الدّور.
وما قال صاحب المواقف من أنّ صدق النّبيّ (ص) لا يتوقّف على صدق كلامه تعالى بل على تصديق المعجزة وهو تصديق فعلىّ منه تعالى لا قوليّ على ما بيّن فى محلّه منظور فيه ، لأنّ المعجزة إنّما يدلّ على صدق النّبي فى دعوى النّبوّة وكونه رسول الله ، وأمّا صدقه فى ساير الاحكام فالظّاهر من كلامه انّه لاستدعاء الرّسالة أن يكون أحكامه من عند الله فيتوقّف على صدق كلامه تعالى ، كيف وقد حكم هذا القائل بأن الدّليل الأوّل مبنىّ على كون الحسن والقبح عقليّين ، مع أنّه لو لم يتوقّف صدق كلام النّبيّ (ص) على صدق كلام الله تعالى لتمّ ذلك الدّليل على تقدير كون الحسن والقبح شرعيّين أيضا. والحقّ أنّه ليس الدّليل الأوّل مبنيّا على كون الحسن والقبح عقليّين ، ولا الدّليل الثّاني مستلزما للدّور كما لا يخفى.
وأمّا ما أورده على الدّليل الثّاني من أنّه إنّما يدلّ على صدق الكلام النّفسىّ دون اللّفظىّ مع أنّ المقصود الأهمّ إثبات صدقه ، وذلك لأنّ النّقص فى كلام اللّفظى معناه القبح فى ايجاده وخلقه ، وحاصله القبح العقلى وهم لا يقولون به ، فلا يصحّ منهم إثبات صدق