الإنسان انّ كلّ عضو من أعضائه له قوى أربعة : جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة. أمّا الجاذبة فحكمتها أنّ البدن لما كان دائما فى التحليل ، افتقر الى جاذبة يجذب بدل ما يتحلّل منه. وأمّا الماسكة فلانّ الغذاء المجذوب لزج ، والعضو أيضا لزج ، فلا بدّ له من ماسكة حتى تفعل فيه الهاضمة ، وأمّا الهاضمة فلانّها تغيّر الغذاء إلى ما يصلح أن يكون جزء للمتغذّى ، وأمّا الدّافعة فهى التى تدفع الغذاء الفاضل مما فعلته الهاضمة المهيأ لعضو آخر إليه. وأمّا انّ كلّ من فعل الأفعال المحكمة المتقنة فعالم فهو بديهىّ لمن زاول الأمور وتدبّرها.
قال : وعلمه يتعلّق بكلّ معلوم لتساوى نسبة جميع المعلومات إليه ، لأنه حىّ وكلّ حىّ يصحّ أن يعلم كلّ معلوم ، فيجب له ذلك لاستحالة افتقاره إلى غيره.
اقول : البارى تعالى عالم بكل ما يصحّ أن يكون معلوما ، واجبا كان او ممكنا ، قديما كان او حادثا ، خلافا للحكماء حيث منعوا من علمه بالجزئيّات على وجه جزئى ، لتغيّرها المستلزم لتغيّر العلم الذّاتىّ. قلنا المتغيّر هو التعلّق الاعتباري لا العلم الذّاتىّ. والدّليل على ما قلناه أنّه يصح أن يعلم كلّ معلوم ، فيجب له ذلك. أمّا انه يصحّ ان يعلم كلّ معلوم ، فلانّه حىّ وكلّ حىّ يصحّ منه أن يعلم ، ونسبة هذه الصّحة إلى جميع ما عداه نسبة متساوية ، فيتساوى نسبة جميع المعلومات إليه أيضا. وأمّا انّه اذا صحّ له تعالى شيء وجب له ، فلأنّ صفاته تعالى ذاتيّة ، والصّفة الذّاتيّة متى صحّت وجبت ، والّا لافتقر اتّصاف الذّات بها إلى الغير ، فيكون البارى تعالى مفتقرا فى علمه الى غيره ، وهو محال.
قال : الثّالثة ، أنّه تعالى حىّ لأنّه قادر عالم فيكون حيّا بالضّرورة.
اقول : من صفاته الثّبوتية كونه تعالى حيّا ، فقال الحكماء وابو الحسين البصرىّ