وأيضا العرض على ما فسّره المتكلّمون هو الحالّ فى المتمكّن ، ولا نسلّم انّ كلّ حالّ فى شيء مفتقر إليه فى الوجود ، لجواز أن يكون المحلّ مفتقر إلى الحالّ فيه كما فى الصّورة الجسميّة الحالّة فى الهيولى المفتقرة إليها فى الوجود على راى الفلاسفة ، وهذا وإن لم يقل به المتكلّمون لكنّه كاف فى إيراد المنع على دليلهم. وأمّا على ما فسّره الفلاسفة ، وهو الحالّ فى الموضوع ، اى المحلّ المقوّم لما حلّ فيه فهو لا يستلزم المكان فضلا عن الافتقار إليه ، إذ الموضوع أعمّ من أن يكون متمكّنا أولا ، اللهم إلّا أن يفسّر العرض هاهنا بالحالّ فى المتمكّن المفتقر إليه وسيجيء زيادة تحقيق لهذا المقام ، على أنّه لو تمّ افتقار العرض إلى محلّه المتمكّن لكفى فى نفى العرضيّة فلا حاجة إلى بيان افتقاره إلى المكان فتأمّل جدّا.
وأيضا لو كان الله تعالى جسما أو عرضا لامتنع انفكاكه عن الحوادث واللّازم باطل فالملزوم مثله. أمّا الملازمة فلأنّ كلّ جسم وعرض يمتنع انفكاكه عن الحركة والسّكون كما مرّ بيانه ، وأمّا بطلان اللّازم فلأنّ كلّما يمتنع انفكاكه عن الحوادث فهو حادث وقد مرّ بيانه أيضا ، فيكون الله تعالى على تقدير امتناع انفكاكه عن الحوادث حادثا وهو محال ، لأنّه قد ثبت قدمه فيما سبق ، هذا خلف. أو لأنّه قد ثبت وجوبه الذّاتي والحدوث يستلزم الإمكان ، هذا خلف. ويمكن الاستدلال على نفس الجسميّة والعرضيّة على رأى المتكلّمين بأنّهما قسمان للحادث عندهم فيكونان حادثين قطعا.
ولا يجوز أن يكون البارى تعالى فى محلّ أى لا يمكن حلوله فى شيء أصلا وإلّا أى وإن أمكن حلوله فى شيء لا فتقر إليه أى لا لأمكن افتقاره تعالى فى وجوده إلى ذلك الشّيء ، وامكان افتقاره فى الوجود إلى العير باطل كافتقاره فيه إليه ، ضرورة انّ امكان المحال محال أيضا ، أو المعنى إن حلّ البارى تعالى فى شيء لافتقر إليه ، لكن افتقاره إليه محال قطعا ، فيكون حلوله فى شيء محالا ، وهذا معنى عدم امكان حلوله فى شيء.
والدّليل على أنّ الحلول يستلزم الافتقار إلى المحلّ أنّ المعقول من الحلول هو الحصول على سبيل التّبعيّة ، وهو يستلزم الافتقار إلى المحلّ هذا خلاصة ما قيل.
اقول : فيه نظر ، لأنّا لا نسلّم أنّ الحلول هو الحصول على سبيل التّبعيّة ، سواء أريد