فى جهة افتقر إليها لأن كلّ ما هو فى جهة يفتقر إليها ضرورة ، فيلزم افتقار الواجب بالذّات إلى الغير وهو ينافى الوجوب الذّاتي قطعا.
اقول : فيه نظر ، لأنّ ما يكون فى جهة إنّما يفتقر إليها فى كونه فيها لا فى وجوده ، وما ينافى الوجوب الذّاتي إنّما هو الافتقار إلى الغير فى الوجود لا غير ، على أنّه لو صحّ هذا الدّليل لزم امتناع اتّصافه تعالى بالصّفات النسبيّة مثل كونه رازقا وخالقا إلى غير ذلك كما أشرنا إليه.
وقد خالف فيه المشبّهة واتّفقوا على أنّه تعالى فى جهة الفوق ، لكن اختلفوا فى كونه فى الجهة مثل كون الأجسام فيها أولا ، والأوّل باطل لما عرفت ، والنّزاع فى الثّاني راجع إلى اطلاق اللفظ دون المعنى ، ومستندهم فى ذلك الظّواهر السّمعيّة وهى متأوّلة قطعا على ما فصّل فى محلّه. ولا يصحّ أى لا يمكن طارية عليه اللّذة والألم أى لا يصحّ طريانها.
اعلم انّ الظّاهر المشهور عند المتكلّمين أنّ اللّذة والألم مطلقا من الكيفيّات النّفسانيّة ، وتصوّرهما على وجه تميّزهما عمّا عداهما بديهى لا يحتاج إلى تعريف ، فإنّ الإحساس الوجدانىّ بجزئياتهما قد أفاد العلم بمفهومهما على وجه يتأتّى تحصيل مثله بطريق الاكتساب كما فى ساير المحسوسات على ما لا يخفى على ذوى انصاف ، وانّه يمتنع اتّصافه تعالى بمطلق اللّذة والألم وهو المتبادر من عبارة الكتاب لأنّهما من الكيفيّات المختصّة بذوات الأنفس ، والله تعالى منزّه عن النّفس. ولكونهما تابعين للمزاج المستلزم للتّركيب ، لان السّبب القريب للّذّة اعتدال المزاج والألم سوءه على ما هو المختار عند المحقّقين. ويبتنى عليه قوله لامتناع طريان المزاج عليه تعالى وهذا لأنّ المزاج كيفيّة متشابهة حاصلة للمركّبات العنصريّة بسبب انكسار الكيفيّات المتضادّة لأسطقساتها المتفاعلة عند امتزاجها وتماسّها ، إمّا بأن تخلع تلك الأسطقسات كيفيّاتها المتعدّدة وتلبس كيفيّة واحدة حقيقة على ما هو مذهب الأطباء ، أو ينكسر تلك الكيفيّات عن صورتها ويتقارب بحيث تصير كيفيّة واحدة ملتئمة من تلك الكيفيّات المنكسرة