على ما هو مذهب الحكماء فالمزاج على المذهبين يستلزم التّركيب ، وقد ثبت امتناع التّركيب عليه تعالى ، فيلزم امتناع اتّصافه تعالى بالمزاج وتوابعه من اللذّة والألم وغيرهما ، وللمناقشة فى الدّليلين مجال واسع على ما لا يخفى.
وقال الحكماء اللّذة إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، والألم إدراك المنافر من حيث هو منافر ، وكلّ منهما حسّى إن كان إدراكا بالحسّ ، وعقلىّ إن لم يكن ادراكا به ، فهم يثبتون له تعالى اللّذة العقليّة ، لأن من أدرك كمالا فى ذاته التذّ به ضرورة ، ولا شكّ انّ كمالاته تعالى أجلّ الكمالات ، وإدراكه أقوى الإدراكات ، فوجب أن يكون لذّته أقوى اللّذات ، ولذا قالوا أجلّ مبتهج هو المبدأ الأوّل بذاته ، وينفون عنه اللّذة الحسّية لكونها من توابع المزاج ، والألم مطلقا لأنّه تعالى منزّه عن أن يكون شيء منافرا ومنافيا له ، إذ الشيء لا يكون منافيا لمبدئه ، ووافقهم بعض المحقّقين منّا.
وفيه نظر ، أمّا أوّلا فلأنّا لا نسلّم أنّ اللّذة نفس الإدراك بل هى مسبّبة عنه ، ولو سلّم ذلك فلا نسلّم أنّها مطلق الإدراك ، بل هى الإدراك النّفسانىّ دون ادراكه تعالى لكونهما مختلفين قطعا.
وأيضا لا نسلّم أنّ الشيء لا يكون منافيا لمبدئه بوجه ما ، لجواز أن يكون المعلول منافيا للعلّة من بعض الوجوه كبعض أفعال العباد بالنّظر إليه تعالى وهو علّة لها ولو بواسطة فليتأمّل.
فقد بان من ذلك البيان أنّ امتناع مطلق الألم عليه تعالى متّفق عليه بين العقلاء ، وأمّا امتناع مطلق اللّذّة فمختلف فيه بين جمهور المتكلّمين والحكماء ، فالقول بأنّ نفى مطلق اللّذّة عنه تعالى من المتكلّمين يحتمل أن يكون لعدم ورود الشّرع بذلك ، فإنّ أسماء الله تعالى توقيفيّة ليس من الأدب إطلاق شيء منها عليها إلّا بإذن الشّارع غير ظاهر كما لا يخفى.
ولا يتّحد أى لا يمكن اتّحاده تعالى بغيره الاتّحاد الحقيقى أن يصير شيء بعينه شيئا آخر من غير أن يزول عنه شيء أو ينضمّ إليه. وقد يطلق الاتّحاد بطريق المجاز