غير مقابلة ومواجهة وقرب وبعد وانطباع صورة من المرئىّ فى الباصرة أو خروج شعاع منها إليها كما هو حكم الرّؤية البصريّة فى غيره تعالى. وأمّا المجسّمة والكراميّة فهم يوافقون الأشاعرة فى تجويز أصل الرّؤية ، ويخالفونهم فى كيفياتها ، فانّهم يجوّزون الرؤية فيه بطريق المواجهة والمقابلة بناء على أنّ الضّرورة قاضية بامتناع الرّؤية البصريّة بدونها ، كما يبتنى عليه مذهب المعتزلة والحكماء. والظّاهر أنّ جمهورهم سيما القائلين بجسميّته تعالى حقيقة على صورة إنسان ـ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ـ يجوّزون الرّؤية فيه بطريق انطباع الصّورة فى الباصرة ، أو خروج الشّعاع منها. فالقول بأنّه لا نزاع للنافين فى جواز الرّؤية بمعنى الانكشاف العلمى ، ولا للمثبتين فى امتناع الرّؤية بانطباق الصّورة فى الباصرة ، أو خروج الشّعاع منها ، بل النّزاع إنّما هو الانكشاف التّام الّذي يحصل لغيره تعالى عند الإبصار كما وقع من بعض المحقّقين ليس بظاهر.
واذا تمهّد هذا فنقول : المختار عند أهل الحق مذهب المعتزلة والحكماء. والدليل العقلىّ على ذلك أنّه لو كان البارى تعالى مرئيّا بالبصر لكان فى جهة ، واللّازم باطل فالملزوم مثله. أمّا الملازمة فهى لأنّ كلّ مرئىّ بالبصر فهو ذو جهة ومكان. وإنّما قلنا كلّ مرئىّ فهو ذو جهة ومكان ، لأنّه أى كل مرئىّ إمّا أن يكون مقابلا للرائى كما فى رؤية الأجسام والأعراض ، أو فى حكم المقابل كما فى رؤية العكس فى المرآة إذ لا مقابل هاهنا حقيقة بل حكما بالضّرورة أى اشتراط الرؤية البصريّة بالمقابلة ، أو ما فى حكمها ممّا يحكم به العقل بالبديهة وإنكارها مكابرة غير مسموعة.
فيقول الأشاعرة بأنّ الرّؤية البصريّة جائزة فيه تعالى من غير مقابلة أو ما فى حكمها كقولهم بأنّه يجوز رؤية أعمى الصّين بقّة اندلس كلام واه وقع من محض التعنّت والعناد كما هود أبهم ، وإذا كان كلّ مرئىّ بالبصر مقابلا للرائى أو فى حكم المقابل ، ومن البيّن أنّ كلّما هو مقابل أو فى حكم المقابل ذو جهة فكلّ مرئىّ بالبصر ذو جهة. وأمّا بطلان اللازم فلأنّه تعالى إذا كان ذا جهة فيكون جسما لأنّ كلّ ذى جهة جسم وهو أى كونه تعالى جسما محال. وكما بيّن فى الصّفة الثّانية من الصّفات السّلبيّة. ويحتمل أن يكون الضّمير