كونهما واجبى الوجود.
وأمّا نفى الشّريك فى الصّنع مع القدرة التّامّة فربما يستدل عليه بأنّه التّمانع على ما هو المتبادر منها ، إذ الظّاهر أنّ المراد يكون الآلهة فى السّماء والأرض كونها مؤثّرة فيهما صانعة لهما لا ممكنة فيهما.
وأمّا نفى الشّريك فى استحقاق العبادة ، وهو (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ، فقد دلّ عليه الدّلائل السّمعيّة ، وانعقد عليه إجماع الأنبياء عليهم السّلام فإنّ جميعهم كانوا يدعون المكلّفين أوّلا إلى هذا التّوحيد وينهونهم عن الاشتراك فى العبادة كما لا يخفى.
للسّمع يعنى انّ الدّليل على نفى الشّركة فى وجوب الوجود بمعنى أنّه لا يمكن أن يصدق مفهوم الواجب لذاته فى نفس الأمر إلّا على ذات واحدة سمعى وعقلى أمّا السّمعى فكقوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) و (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، وغيرهما من الأدلّة السّمعيّة وإجماع الأنبياء. وفيه نظر ، لأنّ تلك الأدلّة لا يدلّ على نفى إمكان الشّريك فى وجوب الوجود صريحا على ما لا يخفى. وأمّا العقلى فكبرهان التمانع وغيره.
واعلم انّ هذا المطلب مما اتّفق عليه جمهور العقلاء من المتكلّمين والحكماء ولكلّ منهما أدلّة عقلية على ذلك. والمشهور منها بين المتكلّمين برهان التّمانع المشار إليه بقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فأراد المصنّف بعد الإشارة إلى ادلّتهم السّمعيّة أن يشير إليه ، وإلى واحد من أدلّة الحكماء فقال :
وللتّمانع أى لإمكان التّمانع. وتقريره أنّه لو أمكن وجود واجبين لزم أن لا يمكن وجود العالم فضلا عن أن يوجد بالفعل فيفسد اى لم يكوّن ولم يوجد نظام عالم الوجود واللّازم باطل بديهة فالملزوم مثله. وبيان الملازمة انّه لو أمكن وجود العالم على تقدير إمكان تعدّد الواجب لا لأمكن بينهما تمانع وتخالف ، بأنّ يريد أحدهما وجود العالم والآخر عدمه معا ، لأن الإمكان مصحّح للقدرة واجتماع الإرادتين ممكن أيضا ، إنّما الممتنع اجتماع المرادين ، وحينئذ إمّا يحصل المرادان معا أو لا يحصل شيء منهما ، أو يحصل أحدهما دون الآخر ، والأوّل يستلزم اجتماع النّقيضين ، والثّاني ارتفاعهما مع عجز كليهما ، والثّالث