يستلزم عجز أحدهما ، والعجز دليل الإمكان لما فيه من شائبة الاحتياج. فإمكان العالم على تقدير إمكان تعدّد الواجب يستلزم إمكان التّمانع المستلزم للمحال. ولا شكّ انّ إمكان المحال محال. وأيضا فعلى تقدير إمكان تعدّد الواجب يلزم أن لا يمكن العالم بل شيء من الأشياء حتى لا يمكن التّمانع المستلزم للمحال.
أقول : فيه بحث ، أمّا أوّلا فلأنّا لا نسلّم أنّ الإمكان مصحّح للقدرة على ما عرفت فى بحث القدرة. وأمّا ثانيا فلأنّ إمكان اجتماع الإرادتين ممكن ، لجواز أن يكون اجتماعهما ممتنعا لامتناع اجتماع المرادين. وأمّا ثالثا فلانا لا نسلّم أن العجز دليل الإمكان لأنّه إنّما يستلزم الاحتياج فى الإيجاد أو الإعدام ، وهو لا يستلزم الإمكان والإمكان لازم للاحتياج فى الوجود وهو غير لازم للعجز. اللهم إلّا أن يقال المدّعى نفى امكان واجبين قادرين على الكمال. وما قيل إنّ الاحتياج نقص يستحيل عليه بالإجماع القطعىّ ففيه أنّ الإجماع القطعى لو ثبت وروده هاهنا فإنّما هو استحالة النقص على هذا الواجب المحقّق الوجود لا على مطلق
الواجب. وأمّا رابعا فلأنّ هذا الدّليل لو صحّ بجميع مقدّماته لزم أن لا يوجد واجب أصلا ، لأنّه لو وجد واجب لزم أن لا يمكن وجود العالم وإلّا لأمكن أن يتعلّق ارادته بوجود العالم وعدمه معا بعين ما ذكر من الدّليل وذلك يستلزم إمكان المحال على الوجه المذكور بعينه وما هو جوابنا فهو جوابكم. وما قيل فى دفعه من أنّ تعلّق إرادة الواحد لوجود العالم وعدمه غير ممكن مردود بأنّه منع مشترك لا يقدح فى النّقص كما لا يخفى. وانت تعلم أنّه يندفع بذلك التقرير الّذي أوردناه فى الدّليل.
قال بعض المحقّقين بعد تسليم خلاصة تلك المقدّمات : أنّ قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ ، إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) حجّة إقناعيّة والملازمة ظنيّة عادية على ما هو اللائق بالخطابيّات فان العادة جارية بوجود التّمانع والتّغالب عند تعدّد الحاكم على ما أشرنا إليه فى قوله تعالى : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) وإلّا فإن أريد الفساد بالفعل أى خروجهما عن هذا النّظام المشاهد فمجرّد التّعدد لا يستلزمه لجواز الاتّفاق على هذا النّظام ، وإن أريد إمكان الفساد بالفعل فلا دليل على انتفائه ، بل النّصوص شاهدة بطىّ السّماوات