قطع النّظر عن ورود الشّرع قطعا ، لكنّ اللّازم باطل لأنّ العقل قاض اى حاكم بالضّرورة أى بالبديهة مع قطع النّظر عن ورود الشّرع أن اى بانّ من الأفعال الاختياريّة للعباد ما هو حسن كردّ الوديعة إلى صاحبها والإحسان أى الإنفاق على الفقراء والمساكين ، والصّدق النّافع فى الدّين والدّنيا ، وبعضها الأحسن ومنها أى الأفعال ما هو قبيح كالظّلم هو التّعدّى على الغير ، أو وضع شيء فى غير محلّه مطلقا والكذب الضّار فى الدّين والدّنيا. ولهذا أى لأنّ العقل يحكم بحسن بعض الأفعال وبقبح بعضها بالضرورة مع قطع النظر عن الشّرع حكم بهما أى بحسن بعض الأفعال وقبح بعضها من نفى الشّرائع وأنكرها كالملاحدة هم الّذين مالوا عن الإسلام إلى الكفر ، وعن ظواهر النّصوص إلى بواطنها إسقاطا للأحكام الشّرعيّة ، وتخريبا للأركان الدّينيّة من الإلحاد وهو الميل والعدول وسمّوا باطنيّة أيضا لادعائهم أنّ النّصوص ليست على ظواهرها بل لها معان باطنة لا يعرفها إلّا المعلّم ، بناء على ما زعموا أنّ النّظر الصحيح لا يفيد العلم المنجى من غير معلّم. وحكماء الهند هم جماعة من الحكماء مشهورون بإنكار الشّرائع والأديان ، فثبت أنّ العقل حاكم بحسن بعض الأفعال وقبح بعضها مع قطع النّظر عن الشّرع ، والّا لما حكم بهما منكروه فقوله : ولهذا ... اشارة الى دليل قوله : العقل قاض بالضرورة على ما يدلّ عليه سياق الكلام ويقتضيه قوله : لهذا إذ المشهور فى مثله ان ما بعده إنّ لما قبله لمّ لما بعده وهو المطابق لكلام القوم فى تقرير هذا الدليل ، فجعله إشارة الى دليل على حدة على أصل الدّعوى كما يستفاد من كلام بعض الشارحين ليس على ما ينبغى. لكن يرد عليه أنّ حكم منكر الشّرع بحسن بعض الأفعال وقبح بعضها لا يدلّ على كون العقل حاكما بالبديهة على ذلك ، اللهم إلّا أن يجعل قوله : بالضّرورة جهة للقضيّة لا إشارة إلى بداهة حكم العقل ويراد بحكم العقل بذلك حكمه به مع قطع النّظر عن الشّرع.
ثمّ أقول هذا الدّليل إنّما يدلّ على أنّه ليس جميع أفراد الحسن والقبح شرعيّة بمعنى رفع الإيجاب الكلّى لا على أنّه لا شيء من أفرادهما شرعيّا بمعنى السّلب الكلّى ،