فالمذاهب فى افعال العباد ستّة وكذا الكلام فى أفعال ساير الحيوانات على التفصيل على ما قيل ، إلّا انّه قد جرت العادة بالبحث عن أفعال العباد لعدم جريان بعض الأدلّة فى غير المكلّف.
والمختار عند اهل الحق مذهب المعتزلة وهم فرقتان : إحداهما ذهبوا إلى أنّ أنّ الحكم بكون أفعال العباد صادرة عنهم بقدرتهم واختيارهم ضرورىّ لا يحتاج إلى دليل ، وقد نبّهوا عليه بأنّ بين حركة السّاقط والنّازل فرقا ضروريا يجده كلّ عاقل من نفسه بأن الأولى اضطراريّة والثّانية اختياريّة. وأخراهما ذهبوا إلى أنّ ذلك نظرىّ ، واستدلّوا عليه بوجوه والمصنف أشار إلى الأوّل بقوله الضّرورة أى البديهة قاضية اى حاكمة بذلك أى بأنّا فاعلون بمعنى أنّ أفعال العباد صادرة عنهم بقدرتهم واختيارهم للفرق الضّرورىّ أى البديهىّ بين سقوط الإنسان من سطح قهرا أو غفلة ونزوله بالاختيار منه على الدّرج أى الدّرجات الّتي بين السّطح والأرض كما فى السّلّم.
وأجيب عنه بأنّ الفرق الضّرورىّ بين الأفعال الاختياريّة وغير الاختياريّة إنّما هو بأن الأولى مقارنة للقدرة والاختيار ، والأخرى غير مقارنة ، لا بأنّ القدرة مؤثّرة فى إحداهما دون الأخرى.
اقول : فيه أنّ من أنصف من نفسه علم الفرق بينهما بأن القدرة مؤثّرة فى الأولى دون الأخرى ، ومنع ذلك مكابرة غير مسموعة. نعم يتّجه انّ الضّرورىّ هو الفرق بينهما بتأثير القدرة فى الاختياريّة دون غيرها ، وأمّا استقلال تأثير قدرة العبد فيها بالاختيار وهو المطلوب هاهنا على ما عرفت فليس بضرورىّ بل هو ممكن لا بدّ له من دليل ، لجواز أن يكون المؤثّر مجموع القدرتين كما هو مذهب الاستاد ، أو يكون المؤثّر قدرة العبد فقط على سبيل الإيجاب كما هو مذهب الفلاسفة. اللهم إلّا أن يقال المقصود هاهنا بيان مدخليّة قدرة العبد فى الجملة فى بعض أفعاله ردّ المذهب الأشاعرة والجبريّة لا بيان خصوص مذهب الحقّ وفيه ما فيه.
واعلم إنّ القول بتأثير قدرة العبد فقط فى أفعاله الاختياريّة على ما هو مذهب اهل الحقّ