المقام فإنّه من غوامض علم الكلام. ثمّ يتّجه على هذا الدّليل مثل ما يتّجه على الدّليل الأوّل فلا تغفل.
ومن أوهام الأشاعرة فى ردّ هذا الدّليل نقضا أو معارضة أنّ الله تعالى عالم بأفعال العباد وجودا وعدما ، ولا شكّ انّ ما تعلّق علمه تعالى بوجوده فهو واجب الصّدور عنهم ، وما تعلّق علمه بعدمه فهو ممتنع الصّدور عنهم ، فيبطل اختيارهم فى أفعالهم قطعا ، اذ لا قدرة على الواجب والممتنع وعلى هذا يبطل التّكليف وما يتفرّع عليه لابتنائهما على القدرة والاختيار بالاستقلال على ما يقتضيه ذلك الدّليل فما لزمنا فى مسئلة خلق الأعمال فقد لزمكم فى مسئلة علم الله تعالى بالأشياء. واستصعبوا هذا الأشكال حتّى قال بعض أئمّتهم لو اجتمع جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا الوجه حرفا إلّا بالتزام مذهب هشام وهو أنّه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها ، ولا يذهب عليك أنّه ليس بشيء لأنّ العلم تابع للمعلوم دون العكس ، فلا يدخل لعلمه تعالى فى وجوب الفعل وامتناعه على أنّ وجوب الفعل أو امتناعه لغيره لا ينافى تعلّق القدرة كما مرّ فى بحث العلم.
وأيضا لو تمّ ذلك لزم أن لا يكون الله فاعلا مختارا لكونه عالما بأفعاله أيضا وجودا وعدما ، على أنّه يلزم حينئذ بطلان مذهبهم أيضا وهو أنّ للعباد اختيارا فى افعالهم بلا تاثير له فيها وذلك لأنّهم قائلون بعموم علمه تعالى على ما لا يخفى.
وأيضا لو لم يكن أفعالنا صادرة عنّا باختيارنا لامتنع تعذيبنا على شيء من الأفعال لقبح أن يخلق الله تعالى الفعل ثمّ يعذّبنا عليه أى لقبح تعذيبه على ما خلقه فينا بالضّرورة ، ولا شكّ أنّه تعالى منزّه عن القبائح كما سيجيء ، واللّازم باطل إجماعا فالملزوم مثله. وأنت تعلم أنّ هذا الدّليل قريب إلى الدليل السّابق ومثله فى الأبحاث المذكورة فيه كما لا يخفى وأنّ قوله : لقبح عطف على ما يفهم من فحوى الكلام على ما مرّ شرحه غير مرّة فلا تغفل.
وأيضا أفعال العباد صادرة عنهم باختيارهم للسّمع أى للادلّة السّمعيّة الدّالة على ذلك كقوله تعالى (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) وقوله تعالى :