أى الحاجة الممتنعة طريانها عليه تعالى. وفيه اشارة الى بطلان هذا الشّقّ ، أى لا يجوز أن يكون ذلك الدّاعى حاجته تعالى إلى فعل القبيح لامتناع الحاجة عليه تعالى على ما سبق بيانه أو داعى الحكمة أى داع هو حكمته تعالى وعلمه بمصالح الأمور وهو أى داعى الحكمة أيضا منفىّ أى منتف هنا أى فى فعل القبيح ، ضرورة أنّه لا حكمة فى القبائح ، وفيه نظر فانظر ولأنّه لو جاز صدوره أى القبيح منه تعالى لامتنع إثبات النّبوّات أى النّبوّة وما يتفرّع عليها ، إذ يجوز حينئذ تصديق الكاذب فى دعوى النّبوّة منه تعالى مع كونه قبيحا فتبطل دلالة المعجزة عليها ، واللّازم باطل اتفاقا فالملزوم مثله ، واذا استحال عليه تعالى فعل القبيح مطلقا فحينئذ أى حين إذا كان الفعل مستحيلا عليه تعالى يستحيل عليه إرادة القبيح لأنّها قبيحة.
وفى هذا التّفريع تصريح بالرّدّ على الأشاعرة حيث ذهبوا الى أنّ القبيح كالحسن بإرادته تعالى ، بناء على أنّ إرادة القبيح منه كخلقه ليست قبيحة ، وفيه من المكابرة والعناد ما لا يخفى.
البحث الرابع فى أنّه تعالى يفعل أى يقع منه الفعل لغرض وباعث على ذلك الفعل وهو العلّة الغائية.
اختلفوا فى أنّ افعال الله تعالى هل هى معلّلة بالأغراض أولا؟ فذهبت المعتزلة إلى أنّه يجب تعليل أفعاله تعالى بالأغراض والعلل الغائية ، والأشاعرة إلى أنّه لا يجوز تعليل أفعاله بشيء منها ، وقال جماعة لا يجب ذلك لكن افعاله معللة بها تفضّلا وإحسانا ، والمختار عند أهل الحقّ مذهب المعتزلة وذلك لدلالة القرآن عليه أى على أنّه تعالى يفعل لغرض كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وغيره من الآيات الدّالة على تعليل أفعاله بالأغراض بحسب الظّاهر. وأنت تعلم انّ العدول عن الظّاهر فى الأدلّة النّقليّة غير قادح فى الاستدلال بها على ما لا يخفى. نعم يتّجه أنّ تلك الادلّة إنّما تدلّ على وقوع تعليل أفعاله تعالى فى الجملة بالأغراض لا على وجوب تعلّقها بها مطلقا وهو المذهب فتدبّر.