هذا وانّا نعلم بالضرورة انّ خلود أهل النّار فيها من فعل الله تعالى ولا نفع فيه لهم ولا لغيرهم مدفوع بأنّ خلود أهل النّار فيها نفع عائد إلى أهل الجنّة وسبب لزيادة مسرّتهم فيها كما لا يخفى.
بل الغرض من فعله تعالى هو النّفع العائد إلى غيره لا إليه لامتناع استكماله بغيره على ما عرفت آنفا.
ولما بيّن أنّه لا بدّ من فعله تعالى من غرض هو نفع عائد إلى غيره أراد ان يبيّن ما هو الغرض من التّكليف الّذي اختصّ به نوع الإنسان من بين المخلوقات فقال فلا بدّ من التّكليف أى اذا عرفت ذلك فاعلم انّ التّكليف واجب وهو فى اللّغة من الكلفة وهى المشقّة ، وفى الشّرع بعث من يجب طاعته أى حمل من يجب إطاعته ، واحترز بالإضافة عن بعث من لم يجب إطاعته من الناس على ما فيه مشقّة أى فى الجملة ولو بالنّسبة إلى تركه. واحترز به عن بعث من يجب إطاعته على ما لا مشقّة فيه كالأفعال العادية والشّهوانيّة مثل النّوم والأكل والشّرب من حيث أنّها عادية أو شهوانية ، وأمّا الإتيان بها لإبقاء الحياة أو تحصيل القوّة على العبادة فهو واجب أو مندوب وفيه مشقّة ما ، والبعث من الله تعالى عليها بهذا الاعتبار تكليف شرعىّ.
وقوله على جهة الابتداء أى وجوبا أو بعثا واقعا على طريقة الابتداء لا بواسطة وجوب أو بعث آخر ، يخرج بعث غير الله من النّبيّ (ص) والامام (ع) والوالدين والسيّد على ما فيه مشقّة ، لأنّ وجوب إطاعتهم بواسطة وجوب إطاعة الله تعالى وإيجابه إطاعتهم وبعثهم بواسطة بعثه. وأنت تعلم أنّ الأفعال العادية والشّهوانيّة من حيث أنّها كذلك لا يتعلّق بها بعث الله تعالى ، لأنّها من المباحات ، والظاهر انّ بعثه تعالى لا يتعلّق بها بل انّما يتعلّق بها بعث غيره كالوالدين ، فلو اكتفى فى إخراجها بالقيد الأخير لكفى إلّا انّه قصد التفصيل والإشارة إلى وجه المناسبة بين المعنى الشّرعى واللّغوي فذكر قوله : على ما فيه مشقّة قبل قوله : على جهة الابتداء فلا تغفل. والظّاهر انّ قوله : بشرط الاعلام من تتمّة التّعريف متعلّق بالبعث أى بعث مشروط بالاعلام أو بالوجوب ، أى بعث من يجب