وجوبا مشروطا بالإعلام. وجعله متعلّقا بمحذوف أى إنّما يصحّ التّكليف أو إنّما يحسن التّكليف بشرط الإعلام بعيد جدّا ، وعلى كلّ تقدير فيه إشارة إلى أنّ التّكليف مشروط بإعلام المكلّف لقبح التّكليف من غير إعلام ضرورة. والمراد من الإعلام التّمكين على العلم لا الإعلام بالفعل لأنّ الجهّال حتّى الكفّار مكلّفون بالشّرائع عند أهل الحقّ إذا كانوا متمكّنين على العلم بها بالرّجوع الى الفقهاء مثلا بخلاف ما إذا كان لهم مانع شرعىّ من ذلك كالجنون إذا المجنون غير مكلّف.
واعلم انّ للتّكليف شرائط كثيرة ، كعلم المكلّف وقدرته ، وإمكان المكلّف به ، وغيرها. وانّما خصّ ذلك الشّرط بالذّكر لمزيد الاهتمام به فتأمل. وإلّا عطف على قوله لا بد من التكليف ودليل عليه ، اى وان لم يكن التكليف واجبا لكان الله تعالى مغريا بالقبيح أى داعيا عليه حيث خلق الشّهوات النّفسانيّة فى طبيعة الإنس والجنّ ، وهى الميل إلى القبيح والنّفور عن الحسن المستدعيان لفعل القبيح وترك الحسن ، ولا شكّ انّ خلق ما يستدعى فعل القبيح وترك الحسن من غير زجر ومنع عنهما يقاوم الميل والنّفور الطبيعيّين ويغلب عليهما إغراء وبعث على القبيح والإغراء على القبيح قبيح ، فلا بدّ من زاجر يمنع ذلك ويغلب عليه وهو التّكليف المشتمل على الوعد بالثّواب العظيم والوعيد على العقاب الأليم الغالبين على الميل والنّفور الطبيعيّين.
واعلم انّه يستفاد من كلام بعض الشّارحين أنّ قول المصنّف : فلا بدّ من التكليف تفريع على ما قبله من وجوب الغرض فى افعاله تعالى وتوجيه التفريع انّه لما ثبت انّ الغرض من فعله تعالى نفع العبد ولا نفع حقيقى يستحقّ أن يكون غرضا لحق العباد إلا الثّواب وهو مما يقبح الابتداء به كما سيجيء ، اقتضت الحكمة توسيط التّكليف ، وفيه ما فيه مع أنّه لا حاجة على هذا إلى قوله : وإلّا لكان مغريا بالقبيح اللهم إلّا أن يكون الإشارة إلى دليل آخر على وجوب التّكليف وفيه ما لا يخفى.
ولمّا كان هاهنا مظنّة سؤالين : أحدهما ، المنع وهو انّا لا نسلّم حصر الزّاجر فى التّكليف لجواز أن يكون الزّاجر هو العلم الضّرورى بقبح القبيح وترتّب الذّم عليه و