أحدهما ، أنّه قد نقل عنه من إظهار المعجزات ما بلغ القدر المشترك منه حدّ التواتر ، وإن كان تفاصيلها آحاد كما فى وجود حاتم ، وكلام المصنف إنّما يلائم هذا الوجه كما لا يخفى.
وثانيهما ، أنّه أتى بالقرآن وتحدّى به البلغاء والفصحاء من العرب العرباء ، فعجزوا عن الإتيان بمقدار ، أقصر سورة منه مع كثرتهم وعصبتهم وتهالكهم على ذلك حتى أعرضوا عن المعارضة بالحروف إلى المنازعة بالسّيوف ولم ينقل عن أحد منهم مع توفّر الدّواعى الإتيان بشيء يدانيه ، فدلّ ذلك قطعا على أنّه من عند الله ، وعلم به كونه معجزة علما عاديا لا يقدح فيه شيء من الاحتمالات العقليّة ، سواء كان إعجازه لبلاغته كما ذهبوا إليه الجمهور ، أو لا سلوبه الغريب ونظمه العجيب على ما اختاره بعض المعتزلة ، أو لاجتماعهما على ما قيل ، أو للصرفة إمّا بسلب قدرتهم عند المعارضة كما اختاره السيّد المرتضى ، أو بصرف دواعيهم إلى المعارضة عنها مع قدرتهم كما ذهب إليه بعض المعتزلة ، أو لاشتماله على الإخبار عن المغيبات على ما هو المختار عند بعض ، أو لخلوّه عن الاختلاف والتّناقض على ما هو المختار عند بعض آخر. وأمّا الكبرى فلانّ المعجزة تدلّ على تصديق الله تعالى لمن أظهرها ، وكلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق وإلّا لزم إغراء المكلّفين بالقبيح وهو تصديق الكاذب ، واللّازم باطل فالملزوم مثله ، أما الملازمة فظاهر ، وأمّا بطلان اللّازم فلأنّ الإغراء بالقبيح عقلا قبيح ، والقبيح محال عليه تعالى لما مرّ ، فيكون الإغراء بالقبيح منه محالا قطعا.
المبحث الثّاني من المباحث الخمسة فى وجوب عصمته أى فى بيان أنّ النّبيّ (ص) يجب أن يكون معصوما عن جميع المعاصى ما دام نبيّنا أو فى الجملة ، ليظهر فائدة المبحث الثّالث بعد هذا المبحث. والضّمير إمّا عائد إلى نبيّنا أو إلى مطلق النّبيّ (ع) لاشتراك ما ذكر من الدّليل. وفيه ردّ على الفرقة المخالفين. فإنّ الخوارج جوّزوا مطلق الذّنوب على الأنبياء مع قول بعضهم بأنّ كلّ ذنب كفر وعامة المخالفين جوّزوا الصّغائر الغير الخسيسة عليهم سهوا ، وجوّز الجمهور تلك الصّغائر عمدا والكبائر الّتي من غير الكذب فى أحكام الشّرع سهوا ، وبعضهم جوّز تلك الكبائر مطلقا ، ومنهم