من جوّز الكذب فى أحكام الشّرع أيضا سهوا. ولمّا توقّف تقرير الدّليل على تحرير الدّعوى فسّر العصمة بقوله :
العصمة عن المحقّقين لطف أى شيء يقرّب العبد إلى الطّاعة ويبعّده عن المعصية يفعله الله تعالى بالمكلّف ويوجده فيه أى ملكة خلقها الله فيه لطفا بحيث لا يكون له داع يفضى إلى ترك الطّاعة وارتكاب المعصية أى لا يترك طاعة ولا يرتكب معصية أصلا مع قدرته على ذلك المذكور من ترك الطّاعة وارتكاب المعصية. وهذا معنى قولهم : هى لطف من الله يحمله على فعل الخير ويزجره عن فعل الشّرّ مع بقاء الاختيار تحقيقا للابتلاء وفيه إشارة إلى ردّ ما قيل فى تفسير العصمة إلى انّها خاصّة فى نفس الشّخص أو فى بدنه يمتنع بسببها صدور الذّنب عنه ، كيف ولو كان الذّنب ممتنعا عن المعصوم لما صحّ تكليفه بترك الذّنب ولما كان مثابا عليه واللازم باطل اتّفاقا ، ويؤيّده قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ) وقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ، إلى غير ذلك من النّصوص.
وإذا عرفت هذا فنقول النّبيّ يجب عصمته عن جميع المعاصى عند أهل الحق لأنّه لو لا ذلك الوجوب لم يحصل الوثوق بقوله أى لجاز أن لا يحصل الوثوق والاعتماد على قول النّبيّ ، والتّالى باطل فالمقدّم مثله. أمّا الشّرطيّة فلأنّ انتفاء وجوب العصمة يستلزم جواز صدور المعصية وهو مستلزم لجواز عدم الوثوق. وأمّا بطلان التّالى فلأنّه حينئذ يحتمل أن يكون كاذبا فى أقواله ، وعلى هذا لا يحصل الانقياد فى أمره ونهيه ، فينتفى فائدة البعثة وهى اجراء الأحكام الشّرعيّة وهو أى انتفاء فائدة البعثة محال لاستلزامه العبث الممتنع عليه تعالى لكونه قبيحا.
وأورد عليه أنّ صدور الذّنب عن النّبيّ (ص) سيّما الصّغيرة سهوا لا يخلّ بالوثوق بقوله بل إنّما يخلّ بذلك صدور الكذب فيما يتعلّق بالأحكام الشّرعيّة ، ضرورة أنّه يبطل دلالة المعجزة فلا يثبت وجوب العصمة عن جميع المعاصى وهو المطلوب.