الإمام غير معصوم لافتقر إلى امام آخر لما ذكر ، فوجب أن يكون ذلك الإمام الآخر موجودا معه لكونه لطفا بالنسبة إليه ، واللطف واجب على الله على ما تقدّم ، وحينئذ يلزم أن يكون هذا الإمام إماما ، ضرورة انّه لا رئاسة له على إمامته فلا يكون رئاسته عامّة هذا خلف. ولانّه عطف على ما يفهم من فحوى الكلام ، كأنّه قال يجب أن يكون الإمام معصوما لأنّه لو لم يكن معصوما لتسلسل ، ولانّ الإمام لو لم يكن معصوما لجاز أن يفعل معصية والتالى باطل فالمقدّم مثله ، أمّا الشّرطيّة فظاهرة غنيّة عن البيان وأمّا بطلان التّالى فلانّه لو فعل المعصية فلا يخلو إمّا أن يجب الإنكار عليه أولا ، فإن وجب الإنكار عليه أى على الإمام الفاعل للمعصية بطريق الفرض أو على فعله لها سقط محلّه اى وقع الامام من القلوب وإذا سقط من القلوب انتفت فائدة نصبه وهى فائدة أقواله وأفعاله ليحصل القرب الى الطّاعة والبعد عن المعصية بسببه ، فيكون نصبه عبثا محالا على الله تعالى لقبحه هذا خلف.
ويمكن الاستدلال على استحالة وجوب الإنكار بظاهر قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) لدلالته على وجوب إطاعة الإمام ظاهرا ، وإن لم يجب الإنكار عليه سقط حكم الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر أى وجوبهما وهو أى سقوط حكمهما محال كما سيأتي فى آخر الباب ، وإذا ثبت استحالة كلّ من اللّازمين ثبت استحالة الملزوم قطعا ، فيكون فعل الإمام معصية باطلا وهو المطلوب. وأنت تعلم انّه لو استدلّ بأنّه لو فعل المعصية لسقط عن القلوب وانتفت فائدة نصبه كما استدلّ بذلك على وجوب عصمة النّبيّ (ص) من أوّل عمره إلى آخره لكان أولى كما لا يخفى. ولأنّه أى الإمام حافظ للشّرع أى مؤيّد له منفذ لأحكامه بين النّاس جميعا ، وكلّ من كان حافظا للشّرع بهذا الوجه فلا بدّ من عصمته أى الإمام ، أمّا الصّغرى فلاعتبار عموم الرّئاسة فى الدّين والدّنيا فى الإمامة على ما سبق ، وأمّا الكبرى فلأنّ من كان حافظا للشّرع بالوجه المذكور لا بدّ ان يكون آمنا عند النّاس من تغيير شيء من أحكامه بالزّيادة والنّقصان ، وإلّا لم يحصل الوثوق بقوله وفعله فلا يتابعه