بقول المجتهد حسن الظّنّ بصدقه المتفرّع على ثبوت عدالته بعد حصول شرائط الاجتهاد كما تقرّر فى محلّه ، بخلاف مرتبة الإمامة فإنّها رئاسة عامّة بحسب الدّين والدّنيا ، ومن البيّن انّها لا يحصل لشخص إلّا بعد أن يكون معصوما آمنا من الخطاء والزّيادة والنّقصان فى أحكام الشرع ، وإلّا لاختلّت تلك الرّئاسة العامّة وانتفت فايدة الإمامة كما لا يخفى على من له طبع سليم وعقل مستقيم.
ولقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فى جواب ابراهيم حين طلب الإمامة لذريته بدلالة سابق الآية ، فيكون معناه انّ عهد الإمامة لا ينال الظّالمين ، وغير المعصوم ظالم ولو على نفسه ، فيلزم أن لا يناله الإمامة قطعا.
واعترض عليه بأنّه يجوز أن يكون المراد من العهد عهد النّبوّة ، وبأنّه يجوز أن يكون المراد من الظّلم المعصية المسقط للعدالة مع عدم التّوبة والإصلاح أو التّعدّى على الغير ، وكلّ منهما أخصّ من مطلق المعصية فلا يستلزمه عدم العصمة ، والكلّ مدفوع بأنّ العهد أعمّ من النّبوّة والإمامة ، والتّخصيص خلاف الأصل مع انّ سابق الآية يؤيّد ذلك كما لا يخفى ، والاستدلال مبنىّ على الظّاهر وتخصيص الظلم بما ذكر مع انه غير ظاهر لا يقدح فى المقصود لعدم الفرق بين المعاصى اتّفاقا فمنافاة بعضها للامامة يستلزم منافاة كلّها لها ، نعم يتّجه أنّ العصمة على ما فسّرت هى ملكة الاجتناب عن المعاصى ، فانتفاؤها لا يستلزم ثبوت المعصية. اللهم إلّا أن يفسّر العصمة بعدم خلق الله الذّنب فى العبد على ما قيل.
واعلم انّ ما ذكره فى النّبيّ من وجوب عصمته من أوّل عمره إلى آخره وتنزيهه عما لا يليق بشأنه مع دليلها جاز فى الإمام بعينه ، وإنّما ترك بالمقايسة ، والحقّ أنّ الإمامة بمنزلة النّبوّة فى أكثر الأحكام والأدلّة لكون الامام نائبا عن النّبيّ قائما مقامه من عند الله سيما امير المؤمنين (ع) كما يشير إليه قوله تعالى : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) الحمد لله الّذي هدانا لهذا.
المبحث الثّالث من المباحث الخمسة فى طريق معرفة الامام ، اتّفقوا على انّ