إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) الآية حين رجوعه عن حجّة الوداع نزل النّبي (ص) بغدير خم وهو موضع بين مكة والمدينة بالجحفة وقت الظهيرة فى يوم شديد الحرّ حتّى انّ الرّجل كان يضع ردأه تحت قدمه من شدّة الحرّ قام النّبيّ (ص) بجمع الرجال فصعد عليها وقال : معاشر المسلمين! ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى ، فاخذ بضبع أمير المؤمنين (ع) ورفعه حتّى نظر النّاس إلى بياض ابط رسول الله (ص) وقال من كنت مولاه فعلىّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فلم ينصرف النّاس حتى نزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فقال النّبيّ (ص) : الحمد لله على إكمال الدّين وإتمام النّعمة ورضاء الله برسالتى وبولاية على بعدى. ولا يخفى ان الحديث المذكور على الوجه المسطور يدلّ على إمامة امير المؤمنين (ع) بعد النّبيّ (ص) بلا فصل.
وأجاب المخالفون عنه بمنع صحّة الحديث ومنع دلالته على المدّعى بوجوه مختلفة مذكورة فى الكتب المشهورة والكلّ مكابرة. أمّا الأوّل. فلأنّ الحديث متواتر معنى ، ومنع التواتر إمّا لمحض العناد أو لأنّه (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). وأمّا الثّاني ، فلأنّ كلّ ذى عقل له شائبة من الإنصاف يعلم انّ نزول النّبيّ (ص) فى زمان ومكان لا يتعارف فيهما النّزول وصعوده على منبر من الرّحال ، وقوله فى حقّ مثل امير المؤمنين (ع) من كنت مولاه فعلى مولاه ودعاه بالوجه المذكور ليس إلّا لأمر عظيم الشّأن جليل القدر كنصبه للإمامة ، لا بمجرّد إظهار محبّته ونصرته سيّما مع قوله : ألست أولى بكم من أنفسكم مع وقوع هذه الصّورة بعد نزول الآية السّابقة ونزول الآية اللّاحقة بعدها ، فلا بدّ أن يكون المراد من المولى هو المتولّى للتّصرف فى أمور العباد لا النّاصر والمحبّ ولا غيرهما من معانى المولى أى هو الأولى بالتّصرف فى حقوق النّاس والتدبير لأمورهم بعدى كما إنّى كذلك الآن ، ولا معنى للإمامة إلا هذا ، والمنازع فى ذلك مكابر لا يلتفت إليه. وكحديث المنزلة وهو