الوالدين يلتانه بزيت أو سمن وكان نعلاه من ليف ويرقّع قميصه تارة بجلد وتارة بليف وقلّ أن يأتدم وكان لا يأكل اللّحم إلّا قليلا وقال : لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان ولا شكّ انّه لم يكن أحد غير النّبيّ (ص) وأمير المؤمنين (ع) بهذه المرتبة من الزّهد. وكان أمير المؤمنين أزهد النّاس بعد النّبيّ (ص) ، ومن كان أزهد كان أفضل ، فثبت أنّه الإمام بعد النّبيّ (ص) لا غيره. وأنت تعلم أنّه كان الأولى تقديم قوله ولانّه أعلم إلى هاهنا على قوله ولأنّ الإمام يجب أن يكون معصوما الخ ليكون فى عداد أدلّة الأفضليّة كما وقع فى التجريد ، ضرورة انّ هذه الصّفات إنّما تدلّ على الإمامة بواسطة دلالتها على الأفضليّة.
والأدلّة على إمامة أمير المؤمنين (ع) بعد النّبيّ (ص) بلا فصل لا تحصى أى لا يمكن إحصائها وعدّها كثرة أى لكثرتها منها ساير صفات الكمال الدّالّة على أفضليّة على (ع) مثل كونه أشجع النّاس بعد النّبيّ (ص) ، وأكثر جهادا معه وأعظم بلاء فى وقائعه ، حتّى لم يبلغ أحد درجته فى غزاة بدر وأحد ويوم الأحزاب وغزاة خيبر وحنين وغيرها من غزوات النّبيّ (ع) على ما اشتهر وتقرّر فى كتب السير حتّى قال النّبيّ (ص) فى اليوم الأحزاب لضربة عليّ خير من عبادة الثّقلين. وقال فى غزاة خيبر : لأسلّمن الرّاية غدا إلى رجل يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله كرّار غير فرّار ، ائتونى بعلى بعد ما سلمها إلى ابى بكر وعمر وانهزم المسلمون وقال امير المؤمنين (ع) : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانيّة ولكن قلعته بقوة ربانيّة ولا شك انّ من كان هذا شأنه كان افضل لقوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً). ومثل كونه (ع) أجود النّاس بعد النّبيّ (ص) كما اشتهر عنه من إيثار المجاوع على نفسه وأهل بيته حتى أنزل الله تعالى فى شأنهم : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ). (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ، وتصدّق فى الصّلاة بخاتمه حتى نزل فى حقه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية. ومثل كونه (ع) أعبد النّاس حتّى روى أن جبهته (ع) صارت كركبة الإبل لطول سجوده ، وكانوا