دخول النار وادراك دركاتها ، وهما موقوفان على المعاد البدنى. ولو بنى الكلام على انتفاء النّفس النّاطقة كما هو مذهب جمهور المتكلمين كما بنى على ما ثبت من أنّ الدّنيا دار العمل لا دار الجزاء لتمّ الدليلان فليتأمّل جدّا. ثمّ هذان الدّليلان مبنيّان على القول بالحسن والقبح العقليّين ووجوب العدل على الله تعالى كما هو مذهب اهل الحق.
وأمّا ما يصح الاستدلال به عند الكلّ فهو ما ذكره بقوله : ولأنّه اى المعاد البدنى ممكن فى ذاته والمخبر الصّادق قد أخبر بثبوته وكل ما كان كذلك فهو ثابت فيكون المعاد البدنىّ حقّا ثابتا ، أمّا الصّغرى فلأنّ جميع الأجزاء على ما كانت عليه ، واعادة التّأليف المخصوص والرّوح إليها أمر ممكن لذاته ، ضرورة انّ الأجزاء المتفرّقة قابلة للجمع على الوجه المخصوص ، وعود الرّوح إليها بلا ريبة. ولو فرض انها عدمت فلا شكّ فى أنّه يجوز إعادتها أيضا ثم جمعها وإعادة التّأليف المخصوص والرّوح إليها بناء على جواز إعادة المعدوم. وقد تواتر انّ النّبيّ (ص) كان يخبر بثبوت هذا المعاد ويدعو المكلّفين إلى الإيمان به ويبشّر المطيع وينذر العاصى منه كما يدلّ عليه قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، وأمّا الكبرى فلعصمة الشّارع ولدلالة المعجزة على صدقه سيّما فى الأحكام التبليغيّة هذا.
أقول : فى بيان الصّغرى نظر ،
أمّا أوّلا ، فلانّا لا نسلّم إمكان جمع الأجزاء المتفرّقة على الوجه المذكور لجواز أن يكون اجتماعها كذلك بعد افتراقها واختلاطها بغيرها ممتنعا لذاته. وأمّا ثانيا فلانّ جواز إعادة المعدوم غير مسلّم عند الخصم وما ذكروه فى بيانه مدخول كما لا يخفى على من يتأمّل فيه ، وللآيات الدّالّة عليه أى على ثبوت المعاد البدنى بحيث لا يقبل التّأويل حتّى صار من ضروريّات الدّين وعلى الإنكار والردّ على جاحده أى منكره كقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ). وقوله تعالى : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) وقوله تعالى :